علي بن حمد الخشيبان

في كل عام نتذكر أحداث الحادي عشر من سبتمبر ونطيل الحوار حول أثرها على الولايات المتحدة وعلى الديانة الإسلامية والمسلمين بل وغالبا ما يصاحب أحداث سبتمبر رقصة جديدة كتلك المرتبطة بحرق القرآن.

التشدد والتطرف والتزمت ومغلَقو العقول يجب عليهم أن يتوقفوا عن تمثيل الإسلام والحديث باسمه حتى لا تحرق مصاحفنا ونحن نتفرج ، ولا تنتهك قيمنا ونحن نتفرج ، وحتى لا ينتهك تراثنا وتاريخنا بسببهم

أحداث سبتمبر هي فعليا الحرب العالمية الثالثة ولكن بآلية مختلفة قليلا عن الحروب التقليدية والدليل على ذلك أسئلة كثيرة يمكن أن نبدأها بسؤال يقول: كم عدد المعتقلين في العالم الذين كان اعتقالهم بسبب مباشر أو غير مباشر هو أحداث سبتمبر على مر السنوات العشر الماضية..؟

سؤال ثان ألم تكن الحرب على أفغانستان والعراق وانقسام فلسطين والحرب عليها وقلاقل باكستان وأزمة حزب الله في لبنان وأزمة الصومال والسودان واليمن كلها ذات علاقة مباشرة بأحداث سبتمبر...؟

سؤال ثالث يقول ألم تتغير وجهة نظر العالم حول الإسلام والمسلمين بشكل جذري لم يشهد له التاريخ مثيلا..؟ ألم تتزايد مشاعر العداء ضد المسلمين في جميع أنحاء العالم...؟

سؤال رابع يقول كم من الأموال وبجميع العملات تم صرفها لتدعيم الأمن ضد الإرهاب في دول العالم وعلى رأسها أمريكا التي تراجع فيها مستوى الحريات بشكل كبير بعد تلك القوانين الصارمة كنتيجة للإرهاب وعملياته..؟

سؤال خامس يقول كم من التحولات الثقافية الناشئة (الجيل الجديد من المسلمين وغيرهم) التي دخلت أحداث سبتمبر وهي تحمل رايات العداء للغرب أو للشرق .؟

سؤال سادس يقول كم عدد المطلوبين والمتهمين الذين تزخر بهم قوائم أجهزة الأمن في العالم بعد أحداث سبتمبر..؟

هذه أسئلة مهمة تعلن موت الحرب التقليدية ، وتعلن شكلا متطورا من الصراع ليست القنابل هي أدواته فقط ، ولذلك فإن الإجابة عنها تؤكد أن الحرب العالمية الثالثة التي ننتظرها قد مرت وخاصة إذا عرفنا أن نتائجها تمثلت في احتلال دول أخرى وهذا حدث ، أو موت الكثير من البشر وهذا حدث ، أو اعتقال الآلاف ومئات البشر وهذا حدث ، أو حدوث انهيارات اقتصادية وسياسية وهذا حدث ، أو خسائر في الأموال والمعدات وهذا حدث ، أو ظهور تكتلات عالمية تساند بعضها ضد بعض وهذا حدث.

إذاً ما الذي ننتظره أكثر من هذا لكي نطلق على النتائج التي تلت الحادي عشر من سبتمبر بأنها الحرب العالمية الثالثة.

ذكرى الحادي عشر من سبتمبر لم تعد ذكرى تأبين على أرواح الأموات الذين قضوا في تلك الحادثة بل كما يبدو أن الذكرى أصبحت مناسبة لفرض خطوات وأدوات جديدة في الحرب التي أطلق عليها الحرب على الإرهاب ، فالقادة العسكريون لم يعودوا يطلقون الأسماء على معاركهم فقد تركوا هذه المهمة للإعلام العالمي الذي يدير الحرب اليوم ولذلك فإن من يملك الإعلام العالمي سوف يملك الفوز بتلك الأنواع الجديدة من الحروب ، فلم يعد الإعلام يمارس دورا معنويا لتغيير الاتجاهات . الإعلام اليوم هو مركز القيادة وهو الذي يقرر أين يجب أن تتجه المعركة وقد أثبتت لنا الذكريات المتتالية لأحداث سبتمبر هذه الفرضية بكل وضوح.

لقد مارست السنوات الماضية من الذكريات حول أحداث سبتمبر نموذجا مرتبكا حول الحقيقة وكيفية التعاطي معها كنتيجة لتمسكنا بالتقليدية في فهم تلك الأحداث على المستوى السياسي والديني: فهل نحن نعاني فعليا من ترسخ فكرة أن أحداث سبتمبر مقدمة للحرب الدينية التي اتخذت من الإرهاب جدارا تقف خلفه ..؟ أم أننا لازلنا نريد أن نقدم فكرة التشخيص والعلاج بطرقنا التقليدية ونرغب في اختراع (حبة سوداء صالحة لكل الأمراض) من تاريخنا كتلك التي نستخدمها في وصفاتنا التقليدية..؟

كل هذه الأسئلة جديرة بأن تطرح وتناقش بعيدا عن فكرة المؤامرة.

المسلمون ونتيجة لضعفهم الكبير حولوا ملف أحداث سبتمبر إلى قسم المؤامرات في عقولهم والى قسم آخر اسمه في تراثنا الحل وكان هذا الإجراء البيروقراطي الدائم اكبر هدية تلقاها أعداؤهم فمن أسهل الأشياء الداعية للخنوع والاستكانة وعدم التفكير بطريقة علمية وعملية هو أن تعتقد أن أحدا يتآمر عليك دون حول منك ولا وقوة.

عندما ضجت وسائل الإعلام العالمية بأحداث سبتمبر تنادى المسلمون بأن هذه حرب عليهم وكأنهم يملكون شيئا حضاريا يستحقون الحرب عليه ، وأن هذه مؤامرة ضد الدين من الغرب الذي يمارس علمانيته بكل صفاء بينما يعيش ملايين المسلمين في الغرب وخاصة في أمريكا ولم نسمع يوما بجيش يدك منازلهم أو يهدم مساجدهم وهم الأولى بالحرب ، إذاً الغرب يريد حربا على المسلمين فمن الأولى أن يبدأ بمن عنده من المسلمين.

لا أعلم لماذا لا يهتم المسلمون اليوم بنتائج المشكلة وليس بأسبابها لأن البحث في الأسباب هو الذي سوف يوسع دائرة الملفات في قسم المؤامرات في عقولنا الإسلامية ويزيد من الفرضيات الوهمية واللفظية كتلك التي تقول (الإسلام هو الحل ) إذا كان الإسلام هو الحل فلن يكون بدون مسلمين وإذا كنتم انتم المسلمين المتوقع أن يجلب بهم الإسلام الحل وهذه أوضاعكم في العالم فمعنى هذا أن المسلمين الذين يقدم بهم الإسلام الحلول لمشكلات العالم ليس أنتم لذلك على كل مسلم يرفع هذا الشعار أن يتأكد أن الإسلام لا يقدم حلولا بدون مسلمين وإذا كان المسلمون اليوم يعتبرون الحلول في الصراع والتشدد ورفض العالم وحضارته فإنهم بذلك يعلنون موت تراثهم بأيديهم.

التشدد والتطرف والتزمت ومغلَقو العقول يجب عليهم أن يتوقفوا عن تمثيل الإسلام والحديث باسمه حتى لا تحرق مصاحفنا ونحن نتفرج ، ولا تنتهك قيمنا ونحن نتفرج ، وحتى لا ينتهك تراثنا وتاريخنا بسببهم.

الإسلام اليوم في مواجهة صعبة مع أبنائه قبل الآخرين فالمتطرفون والمتشددون يتهمون الآخرين بالتغريب وهؤلاء هم الجيل الذي عاش العقود الماضية وما صاحبها من صحوة وغفوة بينما الجيل الجديد لم يعد يفكر بهذه الطريقة ولم يعد هناك مزيد من المتدينين الاتباع يدخل إلى هذا العالم الخفي . أصبحت الخيارات متعددة في الممارسات الدينية أمام الأجيال الجديدة ولكن المتشددين لازالوا يمارسون التخاطب مع الغرب ومن يسمونهم أعداء لهم عبر العمليات الإرهابية وعبر الفتاوى المخيفة ولذلك فإن الغرب بدأ يتجاوز تلك العقول بفتح حوارات جديدة مع المعتدلين ومع الشباب المسلم الراغب في الحياة والتغيير نحو الأفضل.

التحديث في الخطاب الديني ليس عملية سهلة يمكن تنفيذها بنقض الفتاوى التقليدية أو تحرير بعض النصوص من قيودها، أو عملية ترتيب ناعمة للمواقف الدينية . نحن بحاجة الى بزوغ أمة جديدة ، وقراءة جديدة لإسلام حضاري وليس إسلاما ملقى على باب التاريخ ينتظر لقمة فكرية مرت في أزمان مضت.

التطرف والتشدد والحديث باسم الإسلام والتقليل من أهمية الاعتدال وسد الأبواب أمام الاختلافات الفقهية واعتبار ذلك بدعة دينية كلها أساليب دقيقة لوقف حركة المجتمعات وإنقاذ السفينة والأخذ على يد السفهاء فيها من فهم عقيم للواقع وللعالم وما يحدث فيه وخاصة انه حان الوقت لكي نوقف تلك الأسطورة بأن حماة السفينة دائما ما يقبعون في طوابقها العلوية وعليهم أن يمارسوا وصاية على من يجلس في أسفلها..

لقد حان الوقت لسفينة إسلامية مسطحة يتساوى فيها الجميع من حيث الحق في كل شيء بعيدا عن الوصاية بأي شكل من أشكالها.