المهرج الذي خطف أميركا
سمير عطا الله
الشرق الأوسط اللندنية
في عام 2008 أراد متطرف أميركي في مدينة غينسفيل إحراق نسخة من القرآن الكريم، فدعا الصحيفة المحلية التي تملكها الـlaquo;نيويورك تايمزraquo; إلى حضور laquo;الحدثraquo;. واتصل مدير الصحيفة بإدارة الـlaquo;نيويورك تايمزraquo; يستأذنها، فقالت: لا تذهبوا. هذا يريد صخبا إعلاميا فارغا، لا نعرف كيف تكون مضاعفاته. لم يسمع أحد بقس غينسفيل.
بعد إعلانه يوم 11 سبتمبر (أيلول) أنه لا ينوي إحراق أي نسخة من القرآن الكريم، laquo;لا اليوم ولا في أي يومraquo;، أدلى تيري جونز بتصريح مقتضب لصحيفة laquo;ديلي نيوزraquo; قال فيه: laquo;لم أكن أنوي حرق القرآن في أي وقت. كل ما كنت أريده هو إلقاء الضوء على مدى تطرف الإسلامraquo;.
لم ينتبه أحد إلى هدف تيري جونز سوى رئيس جمعية المسلمين في أميركا، السيد عواد. تحدث عن مسألة نكراء بكل هدوء. دعا إلى مواجهة العته بالعقل. أدرك أن تيري جونز يحاول أن يستغل كارثة في الذاكرة الأميركية، وتاليا يجب أن لا يمنح سبل النجاح. لكن السيد عواد، القاطن في قلب المجتمع الأميركي، والعارف بلفائفه، لم يكن مسموعا في أفغانستان وباكستان.
لا أعتقد كثيرا في نظريات المؤامرة، لكنني واثق من أنه إذا لم يكن تيري جونز قد بدأ كمؤامرة، فقد انتهى حتما مؤامرة متعددة الأهداف. الهدف الأول كان باراك أوباما، الذي يحرك خصومه قضية جذوره الإسلامية عشية معركة الولاية الثانية. هكذا استغلت قضية بناء المسجد في نيويورك، وهكذا سوف نرى بعد اليوم نُسخا كثيرة من تيري جونز الذي قال عنه الناطق باسم البيت الأبيض: laquo;إن عدد الذين يحضرون مؤتمراته الصحافية أكثر من عدد المصلين عندهraquo;.
كان الناطق يلمح إلى أن جونز أدلى بـ150 تصريحا تلفزيونيا خلال ثلاثة أيام. وأول من أدرك أنه الهدف الأول كان باراك أوباما، الذي بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة، طلب من قائد القوات الأميركية في أفغانستان مناشدة تيري جونز التخلي عن إشعال ثقاب في ثياب الأمن الوطني الأميركي، في الداخل والخارج. استطاع تيري جونز أن يحرك مساجد وكنائس العالم، ومنها الفاتيكان. لكنه إذا كان قد أراد إلقاء السوء على laquo;راديكالية الإسلامraquo;، فالذي حدث أنه أنسى العالم مقتل 3 آلاف بشري في 11 سبتمبر 2001 بطريقة وحشية مبتدعة. لم يصغِ الناس باهتمام إلى الرجل الذي كان يقول إن أمه رمت بنفسها من الطابق الخامس والأربعين ذلك الصباح، لأن عقولهم كانت على ثقاب تيري جونز. وبدل أن يذكر 11 سبتمبر على أنه كارثة إنسانية أدت، في ما أدت، إلى تفويض جورج بوش وديك تشيني، تركزت الأفكار على أننا نعيش في عالم هش ومليء بالأغبياء. خبيث مجهول يعرف باسم تيري جونز خطف الإعلام الأميركي والعالمي، ضاحكا في سره، مخبئا مفاجأته في عبه: لم يكن ينوي أي حريق. هو أكثر مَن يعرف ثمن ذلك. ولو بعد حين.
حرق القرآن: الحقيقة والمصلحة
أحمد المهنا
العالم العراقية
كيف لعمل احمق ان يحتل الخبر الأول في العالم؟ ما الذي حل بعقل نساء ورجال الكوكب حتى يولوا اهتمامهم برجل مستهتر لديه بضع مئات منالانصار؟ لماذا امسى عقل العالم خفيفا لدرجة ان عملا تافها يمكن ان يستفزه الى اقصى درجات الاستفزاز؟ وكيف لفعل صغير حقير ان يمتلك القوة على تهديد مصالح دول من كل الأحجام بل وعلى اثارة النزاع بين الأديان وربما quot; صراع الحضاراتquot;؟
السر في ذلك يجتمع بكلمة واحدة هي الاعلام. ان هذه الأداة التي وجدت لصلاح الدنيا يمكنها ايضا ان تكون سببا في خرابها. ان الامر البسيط الذي يعرفه كل انسان ويتصرف على ضوئه هو الامتناع عن نقل راي او خبر قد يؤدي الى فتنة بين قريبن او صديقين. فاذا خرجت كلمة من فلان تشين بكرامة علان فان المستمع العاقل يتجاهلها ويمتنع عن نقلها حتى لا تندلع فتنة او تنشأ عداوة او تخرب علاقة.
لكن انظروا الى الاعلام اليوم. انه ينتهج اعلان الحقيقة دون المبالاة بالمصلحة. قس يعلن عن تحديد موعد للقيام بما يعتبر اساءة لمشاعر اكثر من مليار مسلم حول العالم. رجل اعماه الحقد الى حد التهديد بحرق القرآن علنا. ثم اذا به يصبح خبر الدنيا الذي لا خبر من بعده. ان الجميع يعلم علم اليقين بان ذيوع خبر هذه الحماقة يمكن ان يؤدي الى انتاج اسوأ الشرور، الى تسميم العلاقة بين الاسلام والمسيحية، الى تغذية التطرف بين الجانبين، والى انتاج اعمال عنف تنال البشر والممتلكات.
وعلى الرغم من كل ذلك فان الاعلام لا يساوره شك او تأنيب ضمير من دوره او مسؤوليته عن نشر هذه quot; الفتنةquot;.
ان الحقيقة،خصوصا اذا كانت مجرد واقعة رثة ومكلفة، ليست مقياسا لسلامة الاعلام او مصداقيته. المصلحة هي المقياس الدائم لسلامة الإعلام ولكل اعمال الانسان. وهذه المصلحة يمكن حدها بما يعود بالفائدة على سلام العالم وعلى امنه وعلى تقليل معاناته وزيادة تحرره من الضغوط وتقدمه وازدهاره. انه لمن الصحيح ومن المفيد تماما القول بان ليس كل ما يعلم يقال. فما فائدة حقيقة تؤدي الى سفك الدماء؟
وللأسف يبدو ان الاعلام أدمن هذا النوع من الحقائق، حتى لم يعد لديه السؤال عن المصلحة ذا موضوع او معنى. ولربما جرى الامر دائما على هذا الشكل مع وسائل التعبير quot;الجماهيريةquot;. ففي يوم ما كانت الخطابة تقوم بالدور الذي يقوم به الاعلام في هذا العصر. وقد عرف احد فلاسفة اليونان صناعة الخطابة بأنها تعظيم شأن الأشياء الحقيرة وتصغير شأن الأشياء العظيمة. والتعريف نفسه يسري على صحافة الإثارة العمياء عن المصلحة.
ان السكوت على الشرور والصغائر في بعض الاحوال احجى من الكلام عنها ناهيك بالمبالغة فيها وتعظيمها. لن ينقص الاعلام شيئا اذا تجاهل ذلك القس المسعور، وتعامى عنه وكأنه لم يكن. ولن يصبح العالم مكانا افضل اذا اصبح ذلك الاحمق شاغل الدنيا ومالىء الناس. هناك خطر ينال من جوهر الاعلام، اذا التزم مبدأ التصريح بالحقيقة دائما ومهما كان الثمن. ان اخفاء الحقيقة أجدى وأحق اذا كان ثمن اعلانها الخراب او الدمار.
مطوع أمريكا
فارس بن حزام
الرياض السعودية
quot; مجنون واحد في أقصى الدنيا يحرك مشاعر مليار مسلم، وحكومة بلاده تتحرك سريعاً متوسلة إيقاف مشروعه الصغير في حرق نسخة من القرآن الكريم، وخلال بضعة أيام يتحول تيري جونز إلى حكاية عالمية.
رجل الدين الأميركي ليس إلا نسخة مسيحية لكثير مثله في ديانات عدة، مارسوا تطرفهم بالتهديد والفعل، والكثير من صنف تيري جونز امتلكوا الشجاعة لتحقيق رغباتهم، فيما اكتفى فعله على الصوت، والاستعراض أمام الكاميرات، وعقد المؤتمرات الصحافية الهوائية في حديقة عامة، حتى تحول إلى شخصية عامة.
الجيد فيما حدث خلال الأيام الماضية، أن الناس لم تنزل إلى الشوارع لتندد بفكرته، ولم ترتكب الأفعال الحمقاء الموازية لمشروعه أو المتجاوزة له. فاقتصر التنديد على التصريحات والخطب في المساجد وفي وسائل الإعلام. وهنا نشهد سلوكاً جيداً، لربما ما كان له أن يستمر طويلاً لو حقق quot;مطوع أميركاquot; ما زعمه، فقابله المتطرفون من الجانب الآخر بأفعال دموية، وأقلها زيادة المنسوب الجماهيري في حقل quot;القاعدةquot;.
فما الذي تغير عند الشعوب العربية والإسلامية؟
في الماضي القريب، كانت تنتظر أدنى تصرف فردي لتنزل سريعاً إلى الشوارع، إحياءً للمظاهرات، فتشعلها بالتخريب، إضافة إلى اعتلاء الحنجوريين للمنابر واحتلالهم شاشات التلفزة. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولله الحمد.
حتى وإن عاد تيري جونز إلى مشروعه، وأحرق نسخة من القرآن الكريم في مؤتمر صحافي، فما الضرر الذي سيلحق بالمسلمين؟ طبعاً، ستستثار المشاعر، وربما نشهد المظاهرات الدموية، وعودة موسم الحنجوريين، إلى نهاية الطريق المتطرف، المعلوم النهاية. لذا لن يصيب المسلمين أي ضرر، وسيكون ضررهم من أنفسهم وعلى أهلهم وفي دارهم، ويبقى جونز بعيداً في بلدته المنزوية، بعد أن يتحصل على الحماية الأمنية اللازمة.
على المسلمين غير الراشدين استيعاب أن تصرفاً كهذا لا يضيف إلى صاحبه أية قيمة، ولا ينزل من الإسلام أي قدر. وليس ببعيد، أن يعود quot;مطوعquot; أمريكا إلى فكرته المثيرة، أو أن يظهر quot;مطوعquot; جديد بفكرة مماثلة أو مقاربة، ليحرك العالم من جديد، فيتحول ديننا الإسلامي ومعه أكثر من مليار مسلم إلى لعبة يتسلى بها المتاجرون بالأديان وبالأعصاب، طالما أن القانون يقف إلى جوارهم..