محمد الأشهب


يسعى الحزب الشعبي الإسباني المحافظ الى مواجهة وإحراج حكومة خصمه العنيد الحزب الاشتراكي، غير انه زاد اصراراً على خلط الأوراق، وبدل أن تتحول معركة الحزبين في الساحة الانتخابية الى جدل سياسي حول القضايا الداخلية، أصبح المغرب في صلب هذه المعارك. وتحديداً من خلال توالي زيارات المسؤولين في الحزب المحافظ الى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.

أبعد من ذلك تندرج مبررات هذه التصرفات في اطار الاحتفال بذكرى سقوط المدينتين تحت الاحتلال الاسباني. وكان يفترض التعاطي مع هذه المرحلة بمنطق استيعاب دروس التاريخ التي تذكر الاسبان بالحصار الذي فرضه المجاهدون المغاربة على المدينتين المحتلتين. لكنها في الوقت ذاته تحتم التأمل في حلقات التعايش والصدام التي طبعت علاقات البلدين الجارين. ولم يعد وارداً اليوم سوى الاذعان لمرجعية الحوار لحل المشاكل العالقة.

في عهد حكم الحزب الشعبي الاسباني جرى دائماً تصوير المغرب بالعدو الافتراضي الذي ستقدم جيوشه على شن هجمات ضد اسبانيا. ولم يفت بعض العسكريين المتشددين ان يعرضوا سيناريوات بهذا المعنى تركز على أن المخاطر التي ستواجهها إسبانيا ستكون قادمة من الجنوب. والحال ان البلدين لم يتواجها في ذروة الصراع على مستقبل الصحراء. فكيف يصار الى العزف على هذه الوتيرة في وقت تشدد فيه الرباط القول أنه لا بد من الحوار للبحث في مستقبل المدينتين المحتلتين؟

هكذا منطق لا يخلو من الاستفزاز ولا يمكن ان يشكل سياسة ناجعة في تدبير ملفات أكثر تعقيداً. وإذا كان في جوهره ينصرف الى إحراج الحزب الاشتراكي الحاكم، كي لا يقدم أي تنازلات للمغرب في هذا الشأن، فإن مخاطره تكمن في أنه يضع المزيد من الحواجز أمام حزب يرغب في العودة الى السلطة، وسيكون عليه في يوم ما أن يدير العلاقات مع الرباط بطرق مختلفة. بل انه جرب وصفة التصعيد العسكري إبان اندلاع الأزمة حول جزيرة ليلى غير المأهولة، وانتهى الى الإقرار بعودة الوضع الى طبيعته، في ضوء وساطة قامت بها الولايات المتحدة الأميركية.

وقتذاك فعل رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسي ماريا اثنار المستحيل من أجل حض شركاء بلاده في الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات اقتصادية ضد المغرب. ولم يدر في خلده انه في ظل رئاسة بلاده الاتحاد الأوروبي يحظى المغرب بصفة laquo;الوضع المتقدمraquo; في العلاقة مع الاتحاد. وان الحزب الاشتراكي الإسباني سيكون في مقدم المدافعين عن المغرب في هذا المجال، على رغم وجود خلافات يتم التعاطي معها بقدر من المرونة والتفاهم والاحترام المتبادل.

لأسباب انتخابية وتاريخية لا يستطيع الحزب الاشتراكي الإسباني أن يتخلص من كل تبعات السياسة التي نهجتها بلاده حيال الجار الجنوبي. غير ان الحزب الشعبي المحافظ بدوره لا يمكن أن يفرض على المغرب الأمر الواقع الى ما لا نهاية طالما ان أمور السيادة لا تحسم بهذه الطريقة. فقد يفهم من بعض الوقائع ان المتشددين هم الذين ستكون لهم قابلية التفاوض والحوار. وقد يفهم عكس ذلك بأن كل شيء قابل للحوار إلا البحث في مستقبل المدينتين خارج السيادة الإسبانية. لكن المعطيات الراهنة لا تساعد في تلمس نقطة الضوء في نهاية النفق. وما يفعله الحزب الشعبي انه يطوق نفسه بسلاسل وعود انتخابية، سيضطر يوماً للتراجع عنها.

ثمة مخاوف تجمع النخب السياسية الإسبانية يميناً ويساراً، ومحورها ان الرباط حين تنهي قضية الصحراء ستتفرغ للضغط على إسبانيا لاسترداد المدينتين المحتلتين. ونتيجة هذه المواقف، ثمة من يضغط في اتجاه إبقاء ملف الصحراء مفتوحاً، من دون أن يصل الى حافة التدهور. غير ان المقايضة في مسائل السيادة لا تستقيم. ولعل أفضل مخرج عرضه المغرب يكمن في فتح حوار مستقبلي حول كافة القضايا العالقة مع إسبانيا. فمن دون التزام مقاربة شاملة وواقعية بهذا الصدد، ستظل العلاقات بين الرباط ومدريد خاضعة للمزاج السياسي أكثر من آفاق الشراكة التي تفرض مصارحة، ولو قاسية تطرح كل الأوراق على مائدة المفاوضات.