غسان حجار

في مصر يتهاوى العيش الإسلامي المسيحي شيئاً فشيئاً، وفي العراق، المثخن بجراحاته، يشهد المسيحيون والمسلمون على السواء أوضاعاً مأسوية تطال الكنائس والمساجد، وحافلات الحجاج، حتى صار المشهد مألوفاً، وأرقام تعداد القتلى كأنها عدادات تاكسي أو دواليب اليانصيب وطابات اللوتو. في بلد الرافدين، واقعة مذهبية، تمكن الأكراد من التحوط منها، وأصابت المسيحيين بجروح لا يمكنهم مقاومتها والشفاء منها.
لكن أزمة المسيحيين العرب، ليست الا جزءاً من المأساة الكبيرة، وهي الصراع المذهبي السني الشيعي، الذاهب الى تمدد يعوض انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي سابقاً.
فبعد quot;التنبؤquot; بصراع الحضارات، وأحداث 11 أيلول 2001 الإرهابية في نيويورك، وانجرار البشرية نحو صراع الأديان، ومختصره المواجهة بين المسيحيين في الغرب والمسلمين في الشرق، بدا ان الثمار، وان بأشكال مختلفة، لم تتفجر كفاية خدمة لمصالح الصهيونية العالمية، لذا كان الصراع المذهبي الذي لن ينطفئ في المدى المنظور، وقد بدأت مؤشراته تتوالى وتتصاعد.
فقد حظرت الكويت أول من أمس الأحد التجمعات العامة في البلاد للحد من تصاعد التوتر بين الشيعة والسنة، على خلفية تصريحات أدلى بها ناشط شيعي في الخارج، وقال رئيس الحكومة الكويتية بالإنابة الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح محذراً من اشعال الفتنة quot;لم نعد نستطيع السكوت بعدما رأينا ان السكين وصلت الى العظم والخطر وارد وموجودquot;.
وفي البحرين، صراع سني شيعي ينفجر ارهاباً، وتراه في أحياء لم تعد الدولة قادرة على ضبطها، كأنها مخيمات أو كانتونات خاصة خلال الليل. والملك حمد بن عيسى آل خليفة يعتبر ان الإجراءات التي يتخذها لمكافحة quot;الإرهابquot; تتوافق والإرادة الشعبية. وفي السعودية تهميش ومحاولات احتواء لأبناء الطائفة الشيعية الذين يعتبرون أنفسهم مقصيّين من السنة عن المشاركة في الحياة السياسية، ومناطقهم محرومة من الإنماء على مدى عقود من الزمن.
ناهيك عن المواجهات التي تتخذ البعد المذهبي في اليمن مع القاعدة من جهة، ومع المتمردين الحوثيين الشيعة في الشمال الذين يتهمون السعودية بضرب قراهم على الحدود معها، وقد أيدتهم ايران في هذه التهم العام الماضي.
ماذا عن لبنان الذي يزداد فيه الحديث عن فتنة بدأت تتسلل، وقد ظهرت آخر بوادرها في أحداث برج أبي حيدر حيث لم ينفع السلاح الواحد، والتحالف مع دمشق، والتوجهات المشتركة في نزع الفتيل السني - الشيعي، ولمن لا يريد ان يعترف فقد فاخر أهل بيروت السنة بقدرة جمعية المشاريع quot;الأحباشquot; على quot;اصطيادquot; مسؤول في quot;حزب اللهquot;، وانتشر المسلحون في معظم الشوارع لمساندة quot;الأحباشquot; اذا ما تمددت المعارك رغم الخلاف والتباعد مع أنصار هذه الجماعة.
وفي الأيام الماضية ارتفعت وتيرة الخطاب الطائفي المذهبي، واذا كانت له مبرراته الاستفزازية ومبادرات الاستقواء بالسلاح، فإن الرواسب الناتجة، ليس من السنين الخمس الأخيرة كما يدعون، بل من الأعوام الثلاثين الأخيرة، كافية لأن تقود الناس الى مواجهات طائفية مذهبية، لا يعود معها عدد المقاتلين وكميات السلاح أموراً مهمة، لأن الذهاب الى quot;عرقنةquot; هذه المرة، لا الى quot;لبننةquot;، سيطيح بالجميع. واذا كانت المواجهات اسلامية اسلامية، فإن المسيحيين لن يسلموا منها، وسيجبرون على تنفيذ المخططات الأميركية الإسرائيلية لتهجيرهم، وهو ما رفضوه في منتصف سبعينات القرن الماضي.
والذهاب الى quot;عرقنةquot; لبنان بالفتنة الإسلامية الإسلامية أشد فتكاً بالبلاد من كل الحروب الأخرى، وهو لا يخدم الا اسرائيل... فحذار من التحول quot;عملاءquot; بإرادة أو... بإرادة أيضاً.