حسن مدن

في ما يُذكرنا بالسجال الذي انتعش بعد نهاية الحرب الباردة حوار الحضارات أو تصادمها، ينشط لدينا الآن في ما يشبه الموضة، سجال عن حوار المذاهب، تنعقد من أجله المؤتمرات والندوات، ومن أجله أيضا تُدبج المقالات وتسوّد الصفحات، في مفارقة تنم عن حالة الضياع التي تعاني منها شعوبنا العربية في المرحلة الراهنة منذ أن انعقد زمام الأمر لزعماء وقادة الطوائف يقررون الأمور .

أين هم المحاورون القادرون على رأب الصدع وتغليب المشتركات بدل الحفر في الطبقات السفلى من الوعي الملأى بالموروثات المُغذية للفرقة والانقسام، بدل صياغة خطاب الوحدة الإسلامية الموجهة للمستقبل والمبنية على فكرة التجديد الإسلامي؟

هل هو بالفعل حوار للمذاهب ذاك الذي يُغذي الانقسام المذهبي ويصب الزيت على نار الغلواء الطائفية المتأججة؟ وهل يبحث المتصدون لهذا الحوار عن مخارج لحال التسعير الطائفي في العالمين العربي والإسلامي بإبراز المشتركات الهائلة بين المسلمين، لا في دينهم فقط وإنما في دنياهم أيضاً، وهم يواجهون ما يواجهون من تحديات الجهل والفقر والأمية واحتلال الأراضي وانتهاك السيادات الوطنية؟

أم أنهم يكتفون باستلال هذه الصفحة أو تلك من الصفحات الملتبسة في تاريخنا، لتكون موضع الجدل: أي الملل الإسلامية على حق، فلا يفعلون سوى إشعال جدل يمكن أن يخلق فتناً وحروباً .

حريٌ بالمعنيين أن يتحلوا بالشجاعة التي يمليها عليهم الضمير والمسؤولية التاريخية، بما لهم من تأثير ونفوذ على وعي العامة، فيحسوا بالخطر المحدق بالأمة، إن تُرك الحبل على الغارب لهذا الاستنفار المذهبي والطائفي أن يفعله في أوطان ومجتمعات هشة عُرضة لأن تندفع نحو الخراب، خصوصاً أن هناك من له مصلحة بيّنة في ذلك، ساعتها لن يعود لهذا الجدل أية قيمة وستذروه الرياح كما تفعل بكل ما يذهب جفاء .

لو التفتنا اليوم يمنة ويسرة، فسنرى أن العرب والمسلمين فقدوا تلك الجذوة التي حملتهم يوماً ما إلى العالم، لقد فقدوا الحافز للهجرة نحو المستقبل، وارتضوا أن ينشغلوا بتوافه الأمور . ويستلوا من تاريخهم صفحات الحقب التي طغت عليها الفرقة والانقسام، فإذا بهم منشغلون بنزاعات الفرق والمذاهب والطوائف، يضعوها في مكان الصدارة، جاعلين منها مُحرضاً على الفتنة وحتى على الاقتتال الأهلي، بدل أن يجري فهم واستيعاب الملابسات التاريخية التي أحاطت بالمراحل التي أفرزت الانقسامات والصراعات في حقب بعينها من تاريخنا .