‬رضا أمين


منتهى التطرف الطائفي‮ ‬وعدم قبول الآخر وكأنهم لا‮ ‬ينتسبون إلى دين واحد،‮ ‬كل طائفة تكره الأخرى كراهية شديدة وتتمنى أنها لو لم تشاركها العيش على الأرض،‮ ‬بل ووصل الأمر إلى قيام إحدى الطائفتين بمظاهرة‮ ‬غاضبة حاشدة تطالب الحكومة بأن‮ ‬يكون لكل طائفة مدارسها الخاصة بها،‮ ‬وأن لا‮ ‬يكون هناك اختلاط بين أبناء الطائفتين في‮ ‬مدرسة واحدة‮!! ‬إنها قمة العنصرية أن ترى طائفة أنها أعلى شأناً‮ ‬من الأخرى وأنها تستحق الاهتمام والتقدير من الحكومة عن الأخرى مهما كانت الدوافع والأسباب‮. ‬
نعم؛ هذا ما حدث في‮ ‬إسرائيل‮ ‬يوم الخميس الماضي‮ ‬حينما قام اليهود الأشكناز بمظاهرة‮ ‬غاضبة‮ ‬يطالبون حكومة الاحتلال الإسرائيلي‮ ‬أن لا‮ ‬يختلط أبناؤهم مع أبناء اليهود السفارديم في‮ ‬مدرسة واحدة،‮ ‬لأنهم‮ ‬يرون أنهم مميزون عنهم وملتزمون عنهم وأن اختلاط أبنائهم مع أبناء‮ (‬السفارديم‮) ‬يفسد تربيتهم‮. ‬
واليهود الأشكناز هم اليهود الغربيون كما‮ ‬يسمون الآن،‮ ‬والذين ترجع أصولهم لأوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى،‮ ‬نزحوا منها إلى أرض فلسطين ويتحدثون اللغة العبرية والإنجليزية ويمثلون حوالي‮ ‬80٪‮ ‬من اليهود المعاصرين وليس لهم أي‮ ‬صلة بالساميين ويهود الشرق الأوسط‮.‬
أما اليهود السفارديم فهم اليهود الشرقيون ومذهبهم مختلف عن اليهود الغربيين‮ (‬الأشكناز‮) ‬وهم القادمون من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،‮ ‬وكان موطنهم الأساسي‮ ‬في‮ ‬بلاد الأندلس حيث كانت الحضارة الإسلامية مزدهرة آنذاك،‮ ‬وعاشوا فترة ذهبية في‮ ‬الأندلس‮ (‬إسبانيا والبرتغال حالياً‮) ‬وكان التسامح الديني‮ ‬عنواناً‮ ‬لتلك المرحلة الهامة من تاريخ المسلمين هناك،‮ ‬وكثير من المؤرخين‮ ‬يصف العهد الذي‮ ‬عاشه اليهود في‮ ‬بلاد الأندلس بالعهد الذهبي‮ ‬بالنسبة لهم،‮ ‬وهو العصر الذي‮ ‬لم‮ ‬يتحقق لليهود قديماً‮ ‬ولا حديثاً،‮ ‬ويبدو أن اليهود بشكل عام‮ ‬يردون الجميل للمسلمين في‮ ‬فلسطين من خلال التسامح الذي‮ ‬يبدو من هدم المساكن فوق رؤوسهم،‮ ‬ومن خلال التجويع الجماعي‮ ‬عبر الحصار،‮ ‬ومن خلال الحياة‮ (‬الرائعة‮) ‬التي‮ ‬يحياها الفلسطينيون في‮ ‬أرضهم‮!!‬
‮ ‬يوجد في‮ ‬إسرائيل لكل طائفة حاخاماتها ورموزها،‮ ‬بل وأماكنهم التي‮ ‬يسكنونها،‮ ‬وينظر الأشكناز إلى السفارديم نظرة دونية ربما لأنهم الأفقر الآن،‮ ‬لذلك قاموا بالاحتجاج عبر التظاهر على أن‮ ‬يكون أبناء الطائفتين في‮ ‬مدرسة واحدة،‮ ‬وهناك‮ ‬يهود الفلاشا الذين‮ ‬يقبعون في‮ ‬ذيل قائمة طوائف اليهود‮. ‬
إذاً‮ ‬هذه حقيقة إسرائيل؛ البغضاء بادية بين طوائفها والعنصرية البغيضة تملأ جنبات إسرائيل،‮ ‬التشتت عنوان عريض لحياتهم‮ ‬يحقدون على بعضهم البعض ويحاولون الوقيعة وإشعال الحروب والفتن بين الآخرين،‮ ‬ولا‮ ‬يكفون أبداً‮ ‬عن الفساد والإفساد في‮ ‬الأرض،‮ ‬وهذا هو وصف الله لهم في‮ ‬القرآن الكريم في‮ ‬الآية‮ ‬64‮ ‬من سورة المائدة‮ (‬وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ‮ ‬الْعَدَاوَةَ‮ ‬وَالْبَغْضَاءَ‮ ‬إِلَى‮ ‬يَوْمِ‮ ‬الْقِيَامَةِ،‮ ‬كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً‮ ‬لِلْحَرْبِ‮ ‬أَطْفَأَهَا اللَّهُ،‮ ‬وَيَسْعَوْنَ‮ ‬فِي‮ ‬الأَرْضِ‮ ‬فَسَاداً،‮ ‬وَاللَّهُ‮ ‬لا‮ ‬يُحِبُّ‮ ‬الْمُفْسِدِينَ‮)‬
ما سادت الطائفية والعنصرية في‮ ‬مجتمع إلا وأنذرت بفنائه،‮ ‬وما ساد التسامح في‮ ‬مجتمع إلا كان دليلاً‮ ‬على تحضر هذا المجتمع ورقيه،‮ ‬وترفعه عن صغائر الأمور‮.‬