حسن أبو طالب

غريب أمر السيد جميل السيد رئيس الامن العام اللبناني السابقrlm;,rlm; الذي يثير الاتهامات دون رابط ويتهم بلده لبنان بأنه لا دولة ولا يحزنونrlm;.rlm; وغريب أيضا أمر الذين يقفون وراءه ويؤيدونه دون رابط ولا ضابط فقط لأنه يوجه الاهانات لرئيس الحكومة ويقسم بأنه سيأخذ حقه منه باليد وليس بالقانونrlm;.rlm;

وغريب ثالثا أمر هؤلاء الذين يرون أن لبنان الحقيقي والمريح بالنسبة لهم هو الذي تتعطل فيه مرافق ومؤسسات الدولة عن العمل وأن يتوقف القضاء عن أداء مهمته في الحصول علي حقوق الناس ومنع الانتهاكات وتجسيد الدستورrlm;.rlm; وغريب رابعا أمر قوي سياسية تتدعي انها مع الدولة ومع السلم الاهلي ومع حماية لبنانrlm;,rlm; ولكنها تتخذ مواقف سياسية وإعلامية تزيد الطين بلةrlm;,rlm; وكأنها تحضر الأذهان لعملية انقلاب ميليشياوي في اقرب فرصة ممكنةrlm;.rlm; ربما كما حدث من قبلrlm;.rlm;
الأمور الغريبة في لبنان كثيرة للغايةrlm;,rlm; ومثيرة جداrlm;,rlm; لأنها ببساطة تريد أن تنقض علي صيغة الدستور القائم وتفرض طريقة حياة لا علاقة لها بالنظام العام أو ما يرتضيه غالبية اللبنانيين التواقين للاستقرار والحرية والهدوء والتطلع إلي المستقبل بثقةrlm;.rlm;
فتنة السيد جميل السيد تجسد للأسف الشديد أسوأ ما في لبنان المعاصرrlm;,rlm; ففيها إصرار علي الخروج عن القانون من خلال توجيه الاتهامات دون سندrlm;,rlm; بل والإصرار علي محاسبة من يراهم قد اخطأوا في حقه بيده وفي الشارع وليس بيد القانون وعبر الاقنية الشرعيةrlm;,rlm; وفيها إصرار علي تحدي الاجراءات القانونية المعمول بها والضرب بها عرض الحائطrlm;,rlm; وفيها توظيف للتباينات المذهبية والطائفية لاغراض شخصيةrlm;,rlm; وفيها تورط قوي سياسيه لدعمهrlm;,rlm; فقط كنوع من النكاية في حكومة سعد الحريريrlm;.rlm; والأكثر من ذلك فالرجل لم يتورع عن توجيه اتهامات لمصر والاردن باعتبارهما يحضران لبنان لفتنة وانقلاب علي المقاومةrlm;,rlm; دون أن يكون لديه أي دليل سوي لقاءات روتينية يقوم أحد الدبلوماسيين المصريين في السفارة المصرية في بيروت مع عدد من المسئولين من كافة الاتجاهات السياسية والحزبيةrlm;.rlm; وكأن المطلوب من الدبلوماسيين المصريين عدم التواصل مع كبراء البلد والمسئولين ذوي الحيثيةrlm;,rlm; وكأن أيضا ما هو حلال للدبلوماسيين من إيران مثلا يعد حراما علي الدبلوماسيين المصريينrlm;.rlm;
مشكلة جميل السيد انه شغل مواقع أمنية كبيرةrlm;,rlm; وكان أحد رموز حقبة التواجد السوري العسكري في لبنان طوالrlm;29rlm; عاما متصلةrlm;,rlm; وظل لفترة طويلة يتحكم في مصائر اللبنانيين دون رادعrlm;,rlm; ويفرض هيمنته علي الامن العام باعتباره امتدادا للنفوذ العسكري السوري آنذاكrlm;.rlm; وطوال مدة عمله وحتي حادثة اغتيال رفيق الحريري الشهيرة في فبرايرrlm;2005,rlm; لم يكن يجرؤ أحد من اللبنانيين أيا كان منصبه أو موقعه السياسي أن يطالب بحق أو يسعي بالقانون لوقف إهانة أو إذلال شخصيrlm;,rlm; لا لشئ الا لقوة جميل السيد وكونه فوق القانونrlm;.rlm; وكثير من الذين تابعوا مسيرته في جهاز الامن العام اللبناني يعرفون كثيرا من التفاصيل عن أساليب عمله في الحصول علي عوائد وهبات من أفراد وعائلات لمنع إساءة او لتمرير مكسب بدون حقrlm;.rlm; وقصره المهيب الذي يتباهي بظهوره الواضح في غوغل ايرث خير شاهدrlm;.rlm;
لكن الرجل في موقفه المزدوج الأخيرrlm;,rlm; الذي هدد فيه رئيس الحكومة شخصياrlm;,rlm; ورفض فيه المثول أمام قاضي التحقيق للافادة منه فيما هو منسوب إليه من هذه التهديدات وأقوال اخري تعرض السلم العام للخطرrlm;,rlm; ثم وقوف قوي سياسية أبرزها حزب الله وراءه تطالب بوقف الاجراءات القانونية بحق جميل السيد واعتبارها أمورا مسيسةrlm;,rlm; أظهر أن لبنان بحاجة ماسة إلي القيادات والسياسيين الذين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبارrlm;,rlm; ويتمسكون بالقانون والدستور قبل أي شئ آخرrlm;.rlm; وأظهر أيضا أن مستقبل لبنان لم يحسم بعد لصالح الدستورrlm;,rlm; وإنما هناك من يطرح رؤية بديلة تريد أن تطيح بالدولة والمؤسسات وتثبت توازنا طائفيا ومذهبيا جديداrlm;.rlm; والظاهر هنا أن هؤلاء يريدون أن يتنصل لبنان من التزاماته الدوليةrlm;,rlm; لاسيما المحكمة الدولية التي هي مؤسسة دولية تحت رعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن سواء رضينا عن ذلك أم لم نرضrlm;,rlm; وليس بمقدور أي حكومة لبنانية ان تتبرأ منها كما يريد حزب الله والمؤيدون لهrlm;.rlm;
لقد كانت شجاعة كبيرة أن يتضمن الحوار الصحفي مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري والمنشور في جريدة الشرق الاوسط في عيد الفطر المباركrlm;,rlm; اعترافا بالخطأ في حق سوريا وقعت فيه قويrlm;14rlm; آذار حين اتهمت سوريا سياسيا بأنها وراء مقتل الحريري الأبrlm;,rlm; وأن هذا الاتهام السياسي قد انتهيrlm;,rlm; وأن ثمة صفحة جديدة ناصعة البياض قد بدأت بالفعل بين لبنان وسوريا يجب تنميتها وتدعيهما بالمصالح المشتركة والرؤي المتجانسةrlm;.rlm; هذه الشجاعة محسوبة وتعد امتدادا للتطورات الايجابية التي شهدتها العلاقات اللبنانية السورية مؤخرا بعد أن استطاع الملك عبد الله عاهل السعودية أن يدفع بالمصالحة مع دمشق إلي آفاق أرحبrlm;,rlm; كان لها انعكاساتها الايجابية علي مجمل الوضع اللبنانيrlm;.rlm; غير أن الامور في لبنان ليست ذات بعد واحدrlm;.rlm; فهناك قضية المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريري التي يتردد في لبنان أنها سوف تصدر قرارا ظنيا أو اتهاما لعناصر من حزب اللهrlm;.rlm; الامر الذي سيثير زلزالا سياسيا وأمنيا بكل معني الكلمة حال حدوثهrlm;.rlm; وهناك النفوذ الايراني المشهود الذي لا يريد لبنان أن يكون جزءا من التفاعلات الاقليمية الساعية لدعم تسوية سلمية للقضية الفلسطينية تزيح عن لبنان كاهل التوطين واللاجئين الفلسطينيين والتهديدات الاسرائيلية المتتاليةrlm;.rlm;
وهنا يظهر التداخل بين التطور في علاقات بيروت ودمشق إيجابا كما حدث في الأشهر الاخيرةrlm;,rlm; وارتفاع اصوات قويrlm;8rlm; آذار المعارضة بضرورة تجاوز هذه المحكمة وان يتبرأ منها سعد الحريري باعتباره ولي الدمrlm;,rlm; ووجود بعض هؤلاء يرون في الدفء الجديد بين الرئيس بشار والرئيس سعد الحريري دليلا علي أن قرار الاتهام لعناصر من حزب الله بات وشيكاrlm;,rlm; وأن الضرورة تتطلب من الآن تصعيد الموقف الداخلي حتي لا يصدر هذا القرار من ناحيةrlm;,rlm; وألا ينفرد سعد الحريري بالعلاقة المتينة مع سوريا من جهة أخريrlm;.rlm;
مثل هذه العلاقات المتداخلة ترتبط برهانات خيالية لبعض القوي اللبنانية التي تصر علي وقف العدالة الدولية لحادثة مقتل رفيق الحريريrlm;,rlm; وإلا كان البديل هو دفع لبنان إلي مواجهة أمنية عنيفةrlm;,rlm; وصفها النائب اللبناني حسن فضل الله المنتمي الي حزب الله بأنها ستكون فتنة شديدة لم يعرفها لبنان من قبلrlm;.rlm; وهو تصريح واضح المعني والدلالةrlm;.rlm;
هذا الرهان الخيالي يفترض أن سعد الحريري الآن في موقف أضعف مما كان عليه من قبلrlm;,rlm; وأنه عبر ضغوط سياسية وإعلامية يمكنه أن يقدم التنازل المطلوب وهو التبرؤ الكامل من المحكمة الدولية سواء أصدرت قرارات ظنية بحق أعضاء من حزب الله أم لاrlm;.rlm; وهنا يأتي موقف جميل السيد باعتباره حالة رمزية فاقعة اللون لهذه النوعية من الضغوطrlm;.rlm; والمؤكد أن هناك خطأ كبيرا في مثل هذا التحليلrlm;.rlm; فمن الصعب قبول افتراض ضعف موقف الرئيس الحريري لمجرد أنه اعتذر عن خطأ سياسي وقع فيه قبل عدة سنواتrlm;,rlm; فالرئيس بشار الاسد مثلا اعترف بأخطاء ارتكبتها بلاده في لبنان في خطاب شهير مهد للخروج من لبنان عامrlm;2005,rlm; ولم ينظر إليه باعتباره نقطة ضعف وانما نقطة قوة معنوية علي الاقلrlm;.rlm; وأيضا فمن الصعب قبول قويrlm;14rlm; آذار لفكرة التبرؤ من المحكمة الدولية لاسباب عديدةrlm;.rlm; وهناك الأهم من كل ذلك وهو أن المحكمة ليست شأنا لبنانيا خاصاrlm;,rlm; بل هي شأن دولي تتحكم فيه القوي الكبريrlm;,rlm; ومن غير المتصور أن تقبل هذه القوي الدولية إلغاء المحكمة قبل أن تنهي المهمة الموكولة إليها بحجة أن توجيه الاتهام لعناصر حزبية قد يثير فتنة وقلاقل في البلادrlm;.rlm;
إن تحقيق العدالة وإنهاء ملف مقتل رفيق الحريري يتطلب التعاون مع المحكمة الدوليةrlm;,rlm; حتي يحصل كل ذي حق علي حقهrlm;.rlm; وبذلك تنتهي حقبة مثيرة من حياة لبنان واللبنانيينrlm;.rlm; أما القول بأن المحكمة مسيسة وأن الأفضل إلغاؤها ففي هذا ما سيجعل لبنان علي صفيح ساخن لعقود طويلة مقبلةrlm;.rlm; والأحري والأولي أن تنتهي المحكمة من الوجود بعد أن تقدم الجناة الحقيقيين إلي العدالة وليس أن تتركهم طلقاء دون محاسبةrlm;.rlm; وتأييد العدالة يقضي ايضا إنصاف كل مظلوم عبر الأقنية الشرعيةrlm;,rlm; وإذا كان جميل السيد قد ظلم بالحبس أربع سنوات وبتشويه السمعة نظرا لوجود شهود زور أحكموا عليه الحصار في لحظة زمنية ماrlm;,rlm; فالافضل ان يتم إعمال القانون ومساعدة المؤسسات الأمنية والقضائية علي التعامل الرصين مع هذا الملف حتي يحصل السيد علي حقوقه إن كان له حقوقrlm;.rlm; أما الأساليب الهمجية وأخذ الحقوق في الشارع وتحدي أجهزة القضاء وإثارة الفتنة وإهانة المؤسسات السياديةrlm;,rlm; فهذا هو الخطأ الاكبرrlm;,rlm; بل هو الانحطاط بعينهrlm;.rlm;