ميرزا أمان


تيري جونز كاهن طُرد من كنيسته في كولون في المانيا لإهانته لزملائه وممارساته غير الأخلاقية وانتقل بعد ذلك الى كنيسة في غينسفيلد في أمريكا ومنها أخذ يمارس نشاطه غير الأخلاقي الذي طُرد بسببه من المانيا. هذا الكاهن الذي أساء الى المسيحية قبل أن يسيء الى أي عقيدة أخرى او اي شخص آخر دفعه عقله المريض الى التهديد بحرق القرآن الكريم غير آبه بتداعيات مثل ذلك العمل وغير مكترث بما سيلحقه عمله، لو قام بتنفيذه، بالمسيحية وبالولايت المتحدة الأمريكية عموما. والحمد لله أثبتت تطورات الأيام القليلة الماضية مرض الرجل وأن تهديده كان فقاعات هشة، تماما كهشاشة عقله، وأُغلق الملف ونتمنى أن يكون مغلقا حتى يُقبر نهائيا.
الزوبعة التي أثارها ذلك الكاهن وإن انتهت نهاية محمودة إلا أنها خلقت بيئة إرهابية متطرفة وأثبتت عدم جدية واشنطن في محاربة الإرهاب. البيئة الإرهابية المتطرفة الجديدة التي خلقتها تجسدت فيما حدث أمام البيت الأبيض من تمزيق للمصحف الشريف أمام أعين محاربي الإرهاب والدّاعين الى التسامح والتعايش السلمي القاطنين في البيت الأبيض. لقد فتح جونز أعين اليمين المتطرف والمتصهين على وسيلة دنيئة من الوسائل التي تدمي قلوب المسلمين فانتهزوها وقاموا بتنفيذها، من غير أن يحرك ساكنو البيت الأبيض ساكنا. وبذلك أثبتوا عدم جدية واشنطن في محاربة الإرهاب وتصنيفها الجائر لأنواع الإرهاب وتفسيرها الخاطئ لكلمة الإرهاب.
وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحا دعنا نعكس الصورة ونفترض أن الشخص لم يكن اسمه جونز بل جمال وأنه هدد بحرق الإنجيل أو التوراة وليس القرآن وأنه في مدينة عربية وليس في غينسفيلد، وان الذي تم تمزيقه هو الإنجيل وليس القرآن وأنه تم أمام مقر لإحدى الحكومات العربية في بلد عربي وليس أمام البيت الأبيض. هل ستقنع حينها واشنطن بموقف مشابه لنفس الموقف الذي اتخذته هي تجاه جونز وزمرته؟ قد تقول واشنطن إن ذلك سؤال افتراضي لا يجب الإجابة عليه، كعادتها. لكن نقول لها إنه قبل عقدين من الزمن انتشرت ظاهرة حرق العلم الأمريكي في شوارع وطرقات العالم العربي، وعلى الساسة الأمريكيين أن يرجعوا الى تاريخ تلك الفترة ويقرؤوا موقف واشنطن حينها تجاه حرق العلم الأمريكي...العلم الأمريكي وليس الإنجيل!
أما الإمام عبدالرؤوف فلنا كلمة نوجهها له: ما هكذا تورد الإبل يا إمام عبدالرؤوف. لا نشك في إخلاص موقفك ونبله، لكننا نقولها بإخلاص وصدق: لقد خانك وقومك التوفيق. بعيدا عن من أين لك هذا، خاصة إذا وضعنا أمام أعيننا أننا نتكلم عن شراء أو استئجار أرض في منطقة هي من أغلى المناطق في العالم وبناء بناية متعددة الطوابق في مدينة من أغلى مدن العالم من حيث المعيشة، بعيدا عن كل ذلك، لماذا هذا التحدي لمشاعر الآخرين؟ لأنك تعيش في أمريكا فلابد انك على دراية تامة بما فعله الإعلام في عقول الأمريكيين منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن. لقد زرع في قلوبهم وعقولهم، وخاصة في عقول وقلوب أهالي ضحايا تلك الحادثة، الخوف من الإسلام والمسلمين وكرس كرههم له. نعرف أن ما قام به الإعلام الأمريكي خطأ وما قاله وإدعاه غير حقيقي، بل ومزيف وموجه. لكن الواقع يقول إنه خلق بيئة معادية للإسلام والمسلمين. تأتي أنت وقبيل الذكرى السنوية للحادثة وتقول لهم إنني سأبني مسجدا بالقرب من موقع الحادثة! هل ضاقت الأرض ولم تجد إلا هذا المكان؟
ثم لماذا التركيز في الإعلام على بناء مسجد مع أن الخرائط والتخطيط تبين أن المبنى المزمع إقامته هو مبنى ثقافي وأن المسجد فيه سيكون على جزء من طابق واحد من ذلك المبنى المتعدد الطوابق؟ أليس من الأفضل التركيز على كون المبنى مركزا ثقافيا واجتماعيا، وهذه هي حقيقة أمره، بدلا من التركيز على كونه مسجدا؟.