سالم بن أحمد سحاب

انتصر الحق في تركيا، ولم ينتصر أردوغان بصفته الشخصية. هذه هي الحقيقة: صواب تأخر تطبيقه كثيرًا. المعركة في تركيا ليست بين أردوغان ومعارضيه، وإنما بين حق وباطل. باطل أن يتدخل الجيش عندما يشاء وكيفما يشاء. باطل أن تُطوى التجربة الديمقراطية الرشيدة، بجرة قلم أو نزوة هوى، وتحت مبررات واهية مثل المحافظة على علمانية الدولة وأتاتوركية التوجه بأي ثمن كان. باطل أن يهمّش الجيش 60 مليون مواطن تركي، فيعزل وينقلب ويفصل ويسجن ويحكم ويستبد. وباطل أن يتحالف القضاء الأعوج مع الجيش، فيشاركه المسرحية تلو المسرحية، في حين كان يتوجب عليه الوقوف ضد عبث العسكر واستبداد الجيش وفوضى الانقلابات. أردوغان لم ينتصر، ولكن الشعب التركي هو الذي انتصر! إنها كلمة الأغلبية في مواجهة الأقلية. أردوغان كان في ركاب الأغلبية، فانتصر من هذا المنطلق كما انتصر ملايين غيره صوتوا لصالح الاستفتاء الذي يقلّم أظافر الجيش ويصلح مسيرة القضاء. الاستبداد يا سيدي بغيض لا تحبه النفس السوية أبدًا، وقمة الاستبداد أن تسيّر أمور الدولة أهواء حفنة من العسكر. وقمة التخلف الذي يُعد من الماضي الحديث استحواذ العسكر على القرار السياسي والأمني وحتى الاجتماعي، وبمباركة من جهاز العدالة المفترض أن يكون مؤتمنًا على مصالح الشعب لا على بقايا الأتاتوركية البائدة. تاريخ العسكر في تركيا أسود لا يشرف، ومحزن لا يسر. وما نتائج الاستفتاء إلا خطوة في طريق التصحيح ستتبعها خطوات أخرى إن شاء الله. المهم هو إظهار وجه الحقيقة من وراء هذه النتائج، وهي أن العلو لكلمة الأكثرية الشعبية لا القلة الأتاتوركية. كذلك هي حياة التمدن والتحضر في مواجهة الاستبداد والعسكر. أليست هذه المحكمة الدستورية جديرة بأن تُوقف عند حده، وهي التي أوشكت قبل عامين فقط على خلع أردوغان وإقالة حكومته لأنه تجرأ وطالب بالسماح للفتيات التركيات بحرية ارتداء الحجاب داخل المؤسسات الرسمية مثل الجامعات والمدارس وغيرها! هذه المحكمة جديرة بأن تلتفت لواجباتها الدستورية الحقيقية لتبقى راعية للأمانة لا مفرطة فيها باسم الأتاتوركية والعلمانية. إنه الحق وحده في مواجهة الباطل بتعدده!!