سمير منصور

تعدّدت التفسيرات والموقف واحد: quot;المحكمة موجودة وعلينا الانتباهquot;


لم يكن في استطاعة أي زعيم سياسي آخر غير وليد جنبلاط أن يجمع هذا الكوكتيل السياسي المتنوع، بل هذه quot;الخلطةquot; العجيبة من التناقضات التي اجتمعت بكل هدوء في ظلال حدائق قصر المختارة ظهر الأحد الماضي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن أقصى التطرف الى أقصى الاعتدال مروراً بالوسطية، وشكلت لقاء نوعياً جمع الماضي والحاضر والمستقبل، مع حنين جنبلاطي واضح الى الماضي من خلال مشاركة وجوه مألوفة في قصر المختارة في زمن quot;الحركة الوطنيةquot; كمحسن ابرهيم وسمير صباغ وفؤاد شبقلو ورياض رعد ونديم عبد الصمد وعباس خلف وغيرهم، فكان لقاء التناقضات السياسية اللبنانية على اختلافها، وقد بدت قابلة للحوار والأخذ والعطاء وقبول الاستماع الى الرأي الآخر. لعلها هيبة القصر والإرث الجنبلاطي التاريخي وتوهّج سيّده...
ولم يكن سهلاً في تلك اللحظة السياسية ان يلتقي في مكان واحد رموز quot;الحركة الوطنيةquot; السابقة مع ممثلين لتكتلات الكتائب والبعث وquot;القوات اللبنانيةquot; وquot;حزب اللهquot; وquot;المردةquot; وquot;المستقبلquot; وquot;التيار الوطني الحرquot; وquot;الديموقراطي اللبنانيquot; وغيرهم، الى جانب ممثلين لـquot;أركان الدولةquot; رؤساء الجمهورية ومجلسي الوزراء والنواب وحشد ديبلوماسي لممثلين عن quot;الدولة العظمىquot; او quot;الشيطان الأكبرquot; في نظر البعض، مروراً بالدول الاوروبية الكبرى وصولاً الى دول quot;الاعتدالquot; في العالم العربي، كما دول quot;الرفضquot; والثورة، مع كثير من الحنين الى زمن الاتحاد السوفياتي وquot;النشيد الخالدquot;.
وسط هذا الحشد النوعي المحلي والعربي والدولي كان وليد جنبلاط يتنقل من quot;موقعquot; الى آخر في محطات quot;برقيةquot; مهتماً بأدقّ التفاصيل حتى تأمين كرسي أو مكان ملائم لهذا الضيف أو ذاك، يميناً ويساراً، 8 و14 من آذار، حزب اللهquot; أو quot;قواتquot;، بعث أو كتائب، ولكنه بدا أكثر من أي وقت في الوسط. ومن هذا الموقع كانت عبارته المدويّة: quot;ليت المحكمة لم تكن... ولكنquot; رداً على عبارة قالها له ذات يوم من أيام quot;الغربةquot; في السنوات الخوالي الصديق المحتفى به السفير الروسي سيرغي بوكين: quot;ستنالون المحكمة... ولكنquot;!.
وحده وليد جنبلاط من يستطيع أن يلفظ هذه العبارة وأن يكون بعد أقل من 24 ساعة مجتمعاً مع quot;ولي الدمquot; سعد رفيق الحريري، ومؤكداً أن quot;هذه العبارة كانت للتاريخ ونحن اليوم نتحدث للمستقبلquot;. وبدا واضحاً انه أراد من تلك الزيارة التأكيد من السرايا ان quot;المحكمة موجودة ولكن علينا الانتباهquot;.


إلامَ يجب الإنتباه؟

قبل الاجابة عن هذا السؤال تجدر الاشارة الى أن جنبلاط أراد تأكيد استمرار عمل المحكمة، وفي الوقت نفسه الدعوة الى الحؤول دون تسييس عملها، على خلفية التسريبات المتتالية حول مشروع قرار ظني محتمل ومنع استعمالها مطية لمشاريع فتنة طائفية ومذهبية في لبنان.
قد يبدو هذا الكلام quot;في العمومياتquot; وفي حاجة الى توضيح في الشكل والمضمون. لم يذهب وليد جنبلاط الى حد المطالبة بإلغاء المحكمة الدولية، وفق ما سارع بعض الحضور الى تفسير كلامه من خلال همسات ووشوشات قبل أن ينهي خطابه. وقد سارع شخصياً الى هذا التوضيح في اليوم التالي بعد لقائه الرئيس سعد الحريري في السرايا عوض اللقاء الاسبوعي شبه الدوري مساء كل احد في quot;بيت الوسطquot;، إذ أكد ان quot;المحكمة موجودة ولكن علينا الانتباه الى منع التوترات والمطلوب عدم التخلي عن الكلام الهادئquot;. وهنا تلفت الأوساط القريبة من جنبلاط الى أن quot;المحكمة منذ الاجماع اللبناني حولها على طاولة الحوار عام 2006 باتت حقيقة موجودة وخارج الأطر اللبنانية الضيقةquot;، وأن همّه quot;الانتباهquot; انطلاقاً من قلق متزايد لديه حيال ما يمكن ان يحمله القرار الظني وتداعياته. وإذا صحت التسريبات حول تضمين القرار اتهاماً لعناصر من quot;حزب اللهquot; في مكان ما، فعلى الجميع في لبنان واجب العمل جدياً وبكل الوسائل لتدارك هذه التداعيات قبل وقوعها من خلال رؤية وطنية موحدة لعمل المحكمة وموقف استباقي تمهيداً للوصول الى تسوية كبرى تحول دون وقوع البلاد في المحظور. ولمزيد من التوضيح، المطلوب وفق أوساط جنبلاط التوصل الى فهم مشترك لعمل المحكمة الدولية ولكيفية عدم تسييسها وعدم الانحراف عن الهدف الذي قامت من أجله، وهو جلاء الحقيقة في الجريمة ndash; الزلزال التي أودت بالرئيس رفيق الحريري وسائر شهداء الاغتيال السياسي. وتوافق هذه الأوساط على أن هذا الموقف يتقاطع مع موقف آخر مشابه لموقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري يدعو الى التمييز بين عمل المحكمة والقرار الظني.
وتقول: إن الجميع مسؤولون امام التحدي. بالامس، كان هناك موقف لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، وموقف الرئيس الحريري معروف لجهة عدم تسييس عمل المحكمة، والمطلوب التوصل الى رؤية موحدة وفهم مشترك لعمل المحكمة منع التسييس.
ووفق هذه الاوساط فإن جنبلاط لا يزال على رأيه أنه على المستوى المحلي، لا بد من أن تكون الخطوة الأولى لقاء الحريري والأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله، وان هناك مسؤولية على كل القوى السياسية وفي استطاعتها ان تدفع في اتجاه العمل على رؤية موحدة وموقف وطني جامع حيال التحديات التي تواجه البلاد. وفي رأي جنبلاط أن لا بديل من رؤية موحدة وصولاً الى تسوية كبرى انقاذية، وأن التلهّي بالسجالات والتصعيد والردود المتبادلة لا يؤدي إلا الى مزيد من التوتر.
وفي رأيه انه في غياب تفاهم وطني حقيقي حول العناوين الكبرى، فإن المؤسسات الدستورية تبدو شبه جامدة. وما يزيد خطورة الوضع أنه إذا كانت حكومة وحدة وطنية غير قادرة على العمل نتيجة عدم التفاهم، فأي حكومة يمكن أن تنتج؟ وكيف يمكن أن نواجه الاخطار التي تتعرض لها البلاد؟ هل من بديل من موقف وطني للتاريخ؟
وسط هذه الأجواء، ترى أوساط جنبلاط أن المطلوب من الجميع الترفع والقليل من التواضع واعادة النظر في الخطاب السياسي والانتباه جيداً الى خطورة التصعيد واستمراره.
هل يستطيع وليد جنبلاط من موقعه الوسطي الاضطلاع بدور تاريخي في التوصل الى quot;تسوية تاريخيةquot; لطالما تحدث عنها منذ استشهاد والده الزعيم كمال جنبلاط؟