رضـا محمـد لاري


يقول مسؤول في الحكومة الإسرائيلية إننا أخطأنا بعدم الاستجابة إلى المبادرة العربية، فلو استجبنا لها لقامت بين إسرائيل وجيرانها العرب علاقات طبيعية في كافة المجالات

تحاول وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إعطاء أدوار فعالة لمحادثات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالتغلب على الخلاف حول تمديد مهلة تجميد الاستيطان الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العدوان الإسرائيلي في يوم ٥ يونيو من عام ١٩٦٧م، وجاء هذا الدور لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون امتداداً إلى ما دعا إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما إسرائيل إلى تمديد مهلة التجميد الجزئي لأعمال البناء التي تنتهي يوم ٢٦ سبتمبر من عامنا الحالي ٢٠١٠م، ويمهد أيضاً بأن الإدارة الأمريكية ستلزم بقوة وشدة بالمفاوضات المباشرة الجديدة حتى يتم الاتفاق السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس الوصول إلى الدولتين التي يتحقق تحت ظلهما السلام بكل دلالاته العملية فوق أرض الواقع.

يدل على الدبلوماسية الأمريكية النشطة في هذا المجال مشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كليتنون والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في المحادثات التي تم اجراؤها في شرم الشيخ بمصر وفي مدينة القدس الشريف غير أن هذه المشاركة جاءت بعد تجدد العنف الإسرائيلي حيث تم قتل ثلاثة فلسطينيين بنيران دبابة إسرائيلية قامت بإطلاق النار من عند الحدود على قطاع غزة، وهو تصرف يدل بشكل قاطع أن إسرائيل لا ترغب في الوصول إلى سلام فعلي مع الفلسطينيين بدليل لجوئها إلى العدوان على قطاع غزة في الوقت الذي تجري فيه المباحثات المباشرة من أجل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولقد تقرر أن تلتقي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون برئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزارة الإسرائيلية غير أن بنيامين نتنياهو قرر بأن بلاده لن تجمد البناء في المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحذر محمود عباس أن مواصلة البناء في المستوطنات اليهودية على أراضي الوطن الفلسطيني المحتلة يعني بكل صدق وصراحة انتهاء المفاوضات، هذه المواقف المتناقضة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تعثر إن لم تلغ المفاوضات المباشرة بين الجانبين، والسبب في هذا الموقف إصرار إسرائيل على التوسع في المستوطنات بصورة تخل من قيام الدولة الفلسطينية إحدى ركائز السلام الفلسطيني الإسرائيلي، يدعم هذا الإصرار الإسرائيلي ما أكده بنيامين نتنياهو رئيس الوزارة الإسرائيلية لرسول اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط توني بلير أن الفلسطينيين يريدون أن لا نبني شيئاً على الإطلاق في يهودا والسامرة بالضفة الغربية من بعد ٢٦ سبتمبر من عامنا الحالي ٢٠١٠م، وهذا لن يكون لأن laquo;إسرائيل لن تواصل تجميد الاستيطان، لكنها لن تبني كذلك عشرات آلاف المساكن وفق المخططات، وهذا لا يعني أننا سنجمد حياة سكان الضفة الغربية ولن نجمد البناء، وأعلن ليس من المنطق في شيء أن يحدد الفلسطينيون شروطاً مسبقة ويهددون بالانسحاب من المفاوضات، وتقرر تل أبيب أن هذه ليست طريقة للتقدم في اتجاه السلام، ومن جهتها أعلنت السلطة الفلسطينية على أن موقفها من الاستيطان واضح ومحدد وهو أن laquo;السلام والاستيطان لا يلتقيانraquo; وتحدث عن هذه الحقيقة بصراحة تامة عضو الوفد الفلسطيني المفاوض محمد اشتيه في اتصال من عمان أن الموقف الفلسطيني واضح وأبلغناه قبل انعقاد قمة شرم الشيخ للإدارة الأمريكية أن السلام والاستيطان لا يلتقيان.

الحقيقة الثابتة أن الذي يضع شروطاً مسبقة على المفاوضات هو الجانب الإسرائيلي الذي أعلن بأن المفاوضات المباشرة من أجل السلام مع الفلسطينيين لا تعني إطلاقاً تجميد قضية المستوطنات، وهو شرط مسبق للمفاوضات لأن المفاوضات تستهدف الوصول إلى السلام دون شروط مسبقة تحدد مقدماً ضرورة الاستمرار في التوسع بالبناء في المستوطنات اليهودية على الأرض المحتلة الفلسطينية التي تمثل المجال الاقليمي للدولة الفلسطينية، وهذا الشرط الإسرائيلي الذي يسبق المفاوضات المباشرة للسلام يعرقل بكل تأكيد هذه المباحثات السلمية الفلسطينية - الإسرائيلية التي تستهدف الوصول إلى معادلة سلمية تحقق الآمال الفلسطينية في قيام دولتهم التي تشكل وطناً لهم.. لا نقول ذلك اعتباطاً أو رجماً بالغيب، لأن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أعلن أن المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين لا تتضمن القدس أو كل أراضي الضفة الغربية أو المستوطنات اليهودية، وأن الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها هي دولة ناقصة السيادة ومنزوعة السلاح، وخاضعة للنفوذ الإسرائيلي، وأن هذه الشروط الأربعة السابقة للمفاوضات السلمية المباشرة هي في الواقع شروط تسبق المفاوضات وتخل تماماً بالمفاوضات السلمية وتجعل إسرائيل غير جادة في المباحثات السلمية وإنما تسعى إلى كسب الوقت للتغلب على الضغط الأمريكي الذي يلزمها في هذه الأيام بالمفاوضات المباشرة فاضطرت إلى الدخول في هذه المفاوضات ولكنها تلجأ إلى التسويف والشروط المسبقة للمفاوضات إلى الدرجة التي جعلت امكانية السلام مع الفلسطينيين قضية مستحيلة، ومع وجود هذه الاستحالة أعلن الجانب الفلسطيني أننا سنتفاوض على السلام بصورة مباشرة، ولكن إذا أصرت إسرائيل على الاستمرار في بناء المستوطات فإن ذلك يعني عدواناً عن عملية السلام والشعب الفلسطيني الذي لا يقبل بالاستيطان الجزئي وقد طلبنا من الإدارة الأمريكية وقف الاستيطان بصورة كاملة لأن إقامة نصف مليون إسرائيلي في أرض الوطن الفلسطيني بالضفة الغربية تحول دون قيام الدولة الفلسطينية وتمتعها بالتواصل الاقليمي الجغرافي.

يقول مسؤول في الحكومة الإسرائيلية إننا أخطأنا بعدم الاستجابة إلى المبادرة العربية، فلو استجبنا لها لقامت بين إسرائيل وجيرانها العرب علاقات طبيعية في كافة المجالات، وإذا كان هذا القول صحيحاً وصادقاً فلا زالت المبادرة العربية قائمة بشروطها وعلى إسرائيل أن تبادر بتنفيذها لتحصل على العلاقات الطبيعية مع العرب.