عصام نعمان

في مقابلة مع صحيفة ldquo;وول ستريت جورنالrdquo; الأمريكية، قال رئيس حكومة ldquo;الشراكة الوطنيةrdquo; العراقية نوري المالكي ldquo;من المستحيل جرّ العراق إلى محور أو فلك، ونحن نرفض هذا الأمر، أكان آتياً من إيران أو تركيا أو العرب . إن حلفاً إيرانياً عراقياً سيصيب الولايات المتحدة بالجنونrdquo; .

لتأكيد ldquo;استحالةrdquo; جرّ العراق إلى أي محور أو فلك مع إيران أو تركيا أو العرب، لمّح المالكي إلى امكانية إبقاء قوات الاحتلال الأمريكي في العراق إلى ما بعد نهاية العام ،2011 مشيراً إلى أنه يمكن التمديد للمحتلين الأمريكيين لكن بموافقة البرلمان العراقي عليه .

كان عدد من المسؤولين الأمريكيين السياسيين والعسكريين تحدثوا عن امكانية بقاء قوات الاحتلال إلى ما بعد العام 2011 بدعوى ldquo;تدريب القوات العراقيةrdquo; . المالكي موافق، على ما يبدو، على التمديد للاحتلال وإن كان يفضل، كما قال، ldquo;الإنسحاب الكامل للقوات الأمريكية لأنه سيزيل أحد أهم الاسباب التي يستخدمها ldquo;المتمردونrdquo; لتبرير أفعالهمrdquo; .

الأمريكيون يتذرعون بدعوى ldquo;تدريبrdquo; القوات العراقية لتمديد احتلالهم، لكن العراقيين يعرفون أن السبب الحقيقي للتمديد ليس التدريب بل الخشية من استعادة العراق استقلاله وحرية إرادته ونزوعه إلى التكامل مع محيطه العربي، سوريا على وجه الخصوص، والتعاون الوثيق مع محيطه الإقليمي، لا سيما مع إيران وتركيا .

التكامل مع العرب ممنوع على العراق لأنه خطر علىrdquo; إسرائيلrdquo; . قيل إن جورج دبليو بوش شن الحرب على العراق بعدما نجح صدام حسين في عقد اتفاقات للتجارة الحرة مع الأردن ومصر وتركيا مكّنته من خرق الحصار المفروض على بلاده، وشفع ذلك بفرض اليورو، بدلاً من الدولار، كعملة معتمدة لتسديد اثمان النفط المصدّر إلى الخارج . إلى ذلك، فإن ldquo;إسرائيلrdquo; التي كانت تتخوف من عراق قوي ينشر جيوشه على حدودها الشرقية في اطار أي تحالف عسكري مع سوريا والأردن، ضغطت دائماً على أمريكا من أجل احتلال العراق وتفكيكه إلى ثلاث دول متنازعة .

لتحالف العراق مع إيران أخطار مماثلة على مصالح أمريكا وأمن ldquo;إسرائيلrdquo;، ذلك ان قيام محور إيراني عراقي يتيح إقامة قوس عسكري مناهض لأمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; يمتد من إيران شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً عبر سوريا، حليفة طهران، ولبنان حيث للمقاومة وجود فاعل ونفوذ كبير .

كذلك، فإن قيام محور تعاون اقتصادي وثيق بين العراق وتركيا يتيح للعراق مجال بناء قدرات إضافية تمكّنه، بالتفاهم والتعاون مع انقرة وطهران، من تطويق أي تجربة انفصالية في كردستان العراق . غني عن البيان أن قيام دولة كردية على اقسام من العراق وإيران وتركيا يحظى بدعم قوي من أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; .

إن قيام محور أو تحالف سياسي اقتصادي أمني بين العراق وإيران وتركيا والعرب سيؤدي قطعاً إلى إصابة الولايات المتحدة بالجنون نظراً لضخامة الأخطار الاستراتيجية التي يولّدها المحور العتيد على مصالحها وعلى أمن ldquo;إسرائيلrdquo;، لذلك فإن سياسة هاتين الأخيرتين لدرئها ومجابهتها تقوم على قاعدتين :

* الأولى، عزل العراق عن محيطه بل الحجر عليه ضمن حدوده بحيث تبقى الولايات المتحدة، وربما ldquo;إسرائيلrdquo; أيضاً، حليفته الوحيدة وسنده الأساس في وجه جيرانه .

* الثانية، إبقاء نيران الفتنة الأهلية، المذهبية والاثنية، متأججة داخل العراق كي تبقى حكومته في حاجة دائمة لدعمٍ من قوات الاحتلال .

عزل العراق والحجر عليه يتطلبان، دونما شك، إبقاء قوات أمريكية في ربوعه . فبقاؤها يخدم غرضين: تأمين دعم عسكري لحكومة ما زالت تفتقر إلى جيش متماسك وقوى أمن داخلي فاعلة، وتوفير سبب كافٍ، بمجرد إجازتها تمديد الاحتلال، لاستمرار من اطلق عليهم المالكي نفسه مصطلح ldquo;المتمردينrdquo; في مقاومة حكومة تستسيغ بقاء قوات الاحتلال لضمان بقائها في السلطة .

إلى ذلك، تشير امكانية إبقاء قوات أمريكية في العراق إلى ما بعد 2011 إلى أن الولايات المتحدة تعتزم استخدام هذه الورقة للضغط على إيران في المفاوضات العسيرة والمتطاولة معها . فبالإضافة إلى ورقة تمديد احتلالها للعراق، تستخدم أمريكا ورقة العقوبات الاقتصادية والمالية وورقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي المزمع صدوره عنها ضد حزب الله، حليف إيران، للضغط على طهران في المفاوضات المفترض عقد جولتها القادمة في اسطنبول .

غير أن الدلالة الأكثر أهمية لإبقاء قوات أمريكية في العراق بعد نهاية 2011 هي أن الولايات المتحدة مصممة على الاحتفاظ بوجود ونفوذ قويين في الشرق الأوسط حتى بعد توصلها المحتمل لتسوية مع إيران، ذلك ان نجاح مفاوضاتها مع الجمهورية الإسلامية قد يضمن تفادي نشوب حرب معها (لا تبدو واشنطن قادرة على تحمل تكلفتها) إلاّ أن تفاديها لا يغنيها عن توفير الوسائل والاحتياطات اللازمة للجم قدرات إيران المتنامية كقوة اقليمية مركزية ومخاطرها على مصالح أمريكا وأمن ldquo;إسرائيلrdquo; .

اذا كان الأمر كذلك، فإن رد القوى الوطنية العربية، الأفعل والأمثل، على كل هذه المخططات العدوانية يكون بقيام محور تعاون وتكامل بين العراق وسوريا ومن ثم مع سائر دول المشرق العربي لمنع تغوّل الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; من جهة، ومن جهة أخرى لبناء محور إقليمي عربي، سياسي واقتصادي وأمني، قادر على حماية حقوق العرب ومصالحهم وتعزيزها في حمأة الصراع الإقليمي والدولي المحتدم في المنطقة وعليها .

ولا بأس، في حال تحقق ذلك كله، ان تصاب أمريكا بالجنون .