سعد محيو

لعثمانية الجديدة والكمالية القديمة ستكونان وجهاً لوجه، مجدداً، في تركيا في العام الجديد 2011 .

فرئيس الحكومة أردوغان سيمضي معظم الأشهر المقبلة وهو يحاول إعادة كتابة الدستور الذي خاطه العسكر في انقلاب ،1980 ومنحوا أنفسهم فيه امتيازات وصلاحيات واسعة .

المهمة لن تكون سهلة . فالجيش الأتاتوركي لمّا يهضم بعد التعديلات الدستورية التي أدخلها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الديمقراطي في استفتاء شعبي ناجح في سبتمبر/ أيلول 2010 . ولذا، فهو قد يشعر بدافع للتصدي لأردوغان، أو على الأقل لفرملة اندفاعته لتحقيق المزيد من الإصلاحات الديمقراطية .

المحللون الأتراك أيضاً يرجحون أن تشهد بلادهم قريباً مواجهة بين الإسلاميين المتدينين المتحدرين من هضبة الأناضول وبين من يُطلق عليهم ldquo;الأتراك البيضrdquo; الذين يقطنون اسطنبول والمناطق الغربية من تركيا ويتشكّلون من غلاة العلمانيين المتطرفين، بيد أن هذا الصراع لن يؤثِّر في الغالب في التوجهات التركية الجديدة في مجال السياسة الخارجية التي وضع هندستها وزير الخارجية داوود أوغلو، والتي باتت تُسمى الآن ldquo;العثمانية الجديدةrdquo; .

فتركيا الأردوغانية قطعت شوطاً طويلاً في اندفاعتها الشرقية، والتي رفعت سمعتها إلى عنان السماء ليس فقط في الشرق الأوسط، بل حتى أيضاً في روسيا والبلقان وصولاً حتى إلى إندونيسيا وماليزيا والصين .

وهي سمعة قوية لأنها تستند ليس فقط إلى الأدوار السياسية الجديدة الأكثر قرباً من هموم العالمين العربي والإسلامي (وبالتالي الأكثر بعداً عن ldquo;إسرائيلrdquo;)، بل أيضاً لأنها تقف على أرض اقتصادية صلبة .

فتركيا هي الآن الشريك التجاري الأول لإيران، وهي شكّلت مع سوريا والأردن ولبنان مجموعة اقتصادية جديدة قد ينضم إليها في وقت ما العراق إذا ما سمحت له واشنطن بذلك . كما أن علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج تشهد قفزات متتالية، وكذا الأمر مع روسيا، حيث باتت تركيا تستورد منها 75 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي و25 في المئة من نفطها .

بالطبع، لم تكن تركيا لتتمكن من التوسع على هذا النحو لولا أنها تحوّلت إلى نمر صناعي جديد، واحتلت المرتبة ال13 في هرم أكبر الاقتصادات في العالم . وكان لافتاً أن تصف: ldquo;الأيكونوميستrdquo; مؤخراً تركيا بأنها أصبحت ldquo;أسرع الاقتصادات نمواً في أوروبا للسنة الثانية على التوالي (بنسبة 6 في المئة)، ولم يبزّها في ذلك سوى الصين والهندrdquo; .

وهذا وصف مثير بالفعل، إذ قبل سنوات قليلة فقط، كان يُطلق على تركيا اسم ldquo;شحاذ أوروباrdquo;، وتُرفض أوراق اعتمادها إلى الاتحاد الأوروبي الغني لأنها فقيرة، ناهيك عن أنها مسلمة . اليوم سيكون على أوروبا أن تنسى مسألة الفقر هذه وتركّز فقط وبوضوح على الأسباب الإسلامية للرفض .

بيد أن تركيا العثمانية الجديدة لم تعد تقف صاغرة على أبواب أوروبا، بعد أن بدأت تشم رائحة الكرامة القومية والريادة الإيديولوجية في محيطها . وعلى رغم أن ذلك لن يعني إدارة الظهر لأوروبا، إذ إن هذه الأخيرة لا تزال تمتص نصف حجم التجارة التركية، إلا أن علاقات ldquo;السيّد المتمنعrdquo; وrdquo;العبد المطيعrdquo; التي ميزّت العلاقات التركية الأوروبية على مدى نصف قرن قد ذوت وانقضى الأمر .

أردوغان، إذاً، سيكون أمام تحديات كبيرة في 2011 . بيد أن تركيا نفسها ستكون أكبر من هذه التحديات . فالمارد التركي غادر قمقمه ولن يعود إليه .