ياسر الزعاترة

سنأتي للعبارة أعلاه بعد قليل، لكن السؤال المهم الذي تطرحه هذه السطور، هو كيف التقى اليمين المسيحي في الولايات المتحدة وأوروبا باليهود خلال الألفية الجديدة رغم التناقض الهائل بين الطرفين كما تعكسه أدبياتهم الدينية وتجربتهم التاريخية في أوروبا على وجه التحديد؟!
بدأت الرحلة من الولايات المتحدة، وحيث كانت الكنائس المعمدانية الجنوبية (البروتستانتية طبعا) من أكثر الكنائس معاداة للسامية بحسب التصنيف اليهودي، لكنها ما لبثت أن صارت الأقرب لدولة laquo;إسرائيلraquo;، وذلك بعد هيمنتها على الحزب الجمهوري وحملها جورج بوش الابن إلى الرئاسة في العام 2000.
في تنظيرات تلك الكنائس الأيديولوجية أن على اليهود أن يعودوا إلى فلسطين جميعا، وذلك كي تندلع معركة laquo;هرمجدونraquo; الفاصلة التي تنتهي بقتل بعضهم وتنصّر البعض الآخر، وهذه المعركة برأي تلك الكنائس هي المقدمة الضرورية لعودة المسيح المخلص كما تقول أدبياتها الدينية.
اليهود بدورهم كانوا ولا زالوا يقولون بانتهازية عجيبة، إن طروحات تلك الكنائس موغلة في اللاسامية، ولكن دعونا نستمتع بدعمها السياسي لدولتنا، وعندما يأتي أوان المعركة المشار إليها، فلكل حادث حديث!!
تذكرنا ذلك على هامش اجتماع لقوى اليمين الأوروبي المتطرف التي يتصاعد نفوذها عقد مؤخرا في باريس بهدف مواجهة ما أطلق عليه laquo;الأسلمة السكانية والاجتماعية والنفسية لأوروباraquo;، وهو الاجتماع الأول من نوعه في أوروبا. في ذلك الاجتماع أطلق اليميني الهولندي الشهير (صاحب فيلم laquo;فتنةraquo; المسيء للإسلام والمسلمين) عبارة مثيرة تقول laquo;إذا سقطت القدس فستليها أمستردام ونيويوركraquo;، وذلك في سياق مغازلة الدولة العبرية والقوى الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يعني أننا إزاء تطور بالغ الأهمية والإثارة يتمثل في التحالف بين اليمين الأوروبي المسيحي وبين اليهود ودولتهم الأم laquo;إسرائيلraquo;، بخاصة القوى اليمينية فيها.
ثمة أسباب عديدة للعداء المتصاعد للمسلمين في الساحة الأوروبية، من بينها تداعيات ما جرى في الولايات المتحدة (هجمات سبتمبر) وما تلاها من تفجيرات ومشاريع تفجيرات اتهم بها المسلمون زوراً لاعتبارات سياسية، فضلا عن الأزمة المالية التي تمر بها أوروبا ومشاريع تحجيم الضمانات الاجتماعية، إلى جانب التركيز الإعلامي على مقولة أسلمة أوروبا التي تستثير كثيرين. ولكن كيف التقت قوى اليمين الأوروبية التي عادة ما كانت تتسم باللاسامية، أي معاداة اليهود، كيف التقت بهم أخيراً، وبدولتهم الأم؟
تاريخيا كان الحضور اليهودي في الساحة الأوروبية ذا صلة بأحزاب اليسار، وهي أحزاب كانت تقترب أيضا من سائر الأقليات، أما خلال الألفية الجديدة، وربما قبل ذلك بقليل فقد أخذت أحزاب اليمين الأوروبية تقترب من اليهود، وتبعا لذلك من الدولة العبرية، ونتج ذلك بالطبع عن اختراق الصهاينة لتلك الأحزاب تبعا لنفوذهم في دوائر المال والإعلام. وبذلك رأينا مؤخرا كيف يتقرب اليمين الحاكم في فرنسا (ساركوزي) وإيطاليا (برلسكوني) وألمانيا (ميركل) من الدولة العبرية أكثر من اليسار، الأمر الذي ينطبق بشكل أوضح على الجمهوريين في الولايات المتحدة، ومؤخرا يمين اليمين ممثلا في حزب الشاي.
هذا التطور لم يعد يسمح لليمين المتطرف في أوروبا أو أميركا بالمجاهرة بعدائه لليهود، بل لم يعد يسمح له بمجرد الحياد في الصراع بين الدولة العبرية والعرب، وصار عليه لكي يحافظ على وجوده في دول ديمقراطية ترفض التمييز العنصري أن يتقرب من اليهود، وتبعا لذلك من دولتهم الأم، بل يزايد في دعمها على سائر القوى.
ما فعله فيلدرز أثناء زيارته لفلسطين المحتلة مؤخراً ومشاركته في مؤتمر اليميني الصهيوني عضو الكنيست المتطرف laquo;آرييه الدادraquo; الذي ينادي بدولة فلسطينية في الأردن مثال على ذلك، الأمر الذي أخذ ينسحب على سائر أحزاب ومجموعات اليمين المتطرف، بما في ذلك في بريطانيا التي تعلن المجموعات العنصرية المناهضة للمسلمين فيها دعمها للصهاينة ودولتهم المحتلة، وهو ما أخذ يلقى استجابات واضحة من قوى اليمين اليهودي، في حين تتحفظ على ذلك بعض أصوات اليسار كما عبرت عن ذلك صحيفة laquo;هآرتسraquo; الإسرائيلية باتهامها قوى اليمين الأوروبي المتطرف laquo;بإحلال نموذج المهاجر المسلم ذي السلوك الإجرامي مكان اليهودي كعدو لدودraquo;، ومن ثم زيارة إسرائيل لمجرد laquo;الحصول على مغفرة اليهود التي تقربهم من السلطة السياسيةraquo;، والكلام للصحيفة.
وإذا كان laquo;تاجر البندقيةraquo; في رواية شكسبير الشهيرة هو عنوان اليهودي الجشع، فإن المهاجر المسلم صار عنوان الجشع بتفننه في الحصول على الإعانات الحكومية بكل وسيلة ممكنة، مع أن من يفعلون ذلك هم القلة، يقابلهم آخرون من شتى الملل.
هكذا تتقرب أحزاب اليمين المتطرف من دوائر السياسة التي يسيطر عليها اليهود من خلال دعم الدولة العبرية، الأمر الذي أخذ يترك آثارا واضحة على مواقف يهود الغرب من تلك الأحزاب والقوى، خلافا لما كان عليه الحال سابقا، فيما كان المسلمون ينحازون لأحزاب اليسار رغم نفوذ اليهود الكبير فيها اعتقادا منهم بأنها الأفضل لتبني قضاياهم المعيشية.
لعلها الأقدار التي تأبى إلا أن تجعل من قضية فلسطين والقدس والأقصى عنوانا لصراع الأمة مع أعدائها، تماما كما كانت طوال قرون من الحروب الصليبية التي استهدفت هذه المنطقة وهذه الأمة، قبل أن يستثمر اليهود آخر محطاتها ويحتلوا فلسطين بدعم من بريطانيا والغرب، ويواصلوا احتلالهم بسبب ذات الدعم. والنتيجة أنها معركة واحدة لا خيار للأمة غير خوضها بروح واحدة وإرادة واحدة إذا أرادت أن تنتصر ويكون لها مكان تحت الشمس.