داود البصري
التضييق على الحريات في العراق بداية لاعلان الدولة الدينية ودفن العراق الحضاري
للرئيس السابق لمجلس النواب العراقي الدكتور محمود داود المشهداني quot;خرجاتquot; وصرعات إعلامية ذات طبيعة خاصة وزاعقة و متميزة في دلالاتها وإسقاطاتها النفسية الواضحة ! فهي تصريحات غالبا ماتتسم بالعصبية المفرطة والإبتعاد الكامل عن أصول التعامل السياسي أو الجمل و الصياغات الديبلوماسية , وتكون صادمة في كثير من الأحيان وصدامية أيضا كما حصل قبل سنوات حينما سلط لسانه الطويل ضد الإعلامية في قناة العربية quot;سهير القيسيquot; وتفوه بعبارات غير لائقة بمن يتحمل مسؤولية رئاسة برلمان مفترض , ولعل أسلوبه الخاص هذا بالذات كان سببا لإبعاده عن رئاسة البرلمان بعد إتفاق جميع القوى السياسية العراقية على ذلك الخيار وبعد أن وصل حدود التأزم بسبب تصريحاته غير المنضبطة للسقف الأعلى , وفعلا فقد إنسحب محمود المشهداني من صدارة المشهد السياسي مؤكدا ان هناك الكثير من العناصر غير المتوازنة نفسيا في النخب العراقية الجديدة وأستطاع من خلال العمل السياسي المتأزم أن يضمن لنفسه مكانة إعتبارية وراتبا شهريا مجزيا و كالعادة جواز سفر ديبلوماسي عراقي فاقد لأي مصداقية أو معنى بعد أن تحول ورقة معروضة على قارعة الطريق يحصل عليها من هب ودب من عائلات المسؤولين أو البرلمانيين و جماهير الأميين في عصر إنهيار هيبة ومكانة الدولة العراقية , اخيراً و بعد طول غياب نسبي عاد محمود المشهداني من جديد إلى المشهدين الإعلامي و السياسي من خلال تصريحات مكهربة جديدة أدلى بها لإحدى القنوات الفضائية وهي تصريحات تتعلق بدفاعه التام والواضح عن الحملة الأصولية المعادية للحريات وللحياة المدنية في العراق , وقد أدلى المشهداني بدلوه في النقاش الدائر الساخن عن حجب الحريات العامة وعن المشاريع الديكتاتورية التي تحاول القوى و الأحزاب الدينية والطائفية إشاعتها من خلال التعكز على عكازة الدين والطائفة و التحجج بحجج واهية فاقدة لمصداقيتها من أجل ترسيخ قاعدة الدولة الدينية و الأصولية وهي المهمة الأساسية التي تسعى إلى تحقيقها الأحزاب الدينية الشيعية أو السنية لافرق , فالهدف النهائي واحد و متماثل وهو تأسيس الكيان الديني الطائفي الهش الذي يحول العراق مجموعة من الكانتونات الطائفية المتخلفة المعزولة بدلا من العراق الحضاري الموحد المتطور والمتخلص من أدران الطائفية و التخلف. كانت العودة الإعلامية لمحمود المشهداني بعد فشله المريع في الإنتخابات الأخيرة عبر تصريحات صادمة تعبر عن رؤية ظلامية موغلة في التوحش و التخلف عبر إحتقار الديمقراطية وحقوق الناس وقيم الحرية المسؤولة , فقد صرح قائلا quot;إن الحريات المدنية هي إنفلات أخلاقي! و إنتشار للخمارات و الملاهي و تنشئة لجيل quot;دايحquot;! , وقد إنتقد الباب الثاني من الدستور العراقي الذي جعله رئيسا للبرلمان واصفا إياه بأن بعض فقراته التي تتحدث عن الديمقراطية فيها تخريب للمجتمع العراقي )!! و طبعا لاحاجة للإفاضة في شرح و تعليل مقاصد المشهداني الإستبدادية ودعوته الواضحة و الصريحة لإقامة كيان ديني طائفي يلغي الحريات العامة و بما سيؤدي في النهاية إلى منع الإنتقاد و تكميم الصحافة تحت بند quot;طاعة و إحترام أولي الأمرquot;! ولو كان أولئك من طبقة الموظفين و المسؤولين الفاسدين و المرتشين , أي أن طبيب الأسنان الذي اصبح سياسياً يطلب من الناس و العراقيين غلق أفواههم و عدم فتحها إلا في عيادات أطباء الأسنان ? و الحديث المبالغ به و الصارخ عن الخمر و الخمارات و الملاهي ماهو إلا كلام حق أريد به باطل , وهو تدليس واضح على الحقائق وهروب من المسؤوليات الحقيقية لإدارة المجتمع و الدولة , فلاتوجد أي دولة دينية في العالم أجمع وعبر التاريخ قد تمكنت من محاصرة الفساد الأخلاقي بالكامل , إذ لايوجد المجتمع الفاضل إلا في النظريات الإفلاطونية و منع الخمور وإغلاق النوادي لن ينهي الفاحشة أو يجعل المجتمع مجتمعا من الملائكة و الأنقياء و أهل التقوى ولو اردنا إيراد الأمثلة فسيزعل أناس عديدون لربما ستصدمهم الحقائق , وأنظروا للتجربة الإيرانية القائمة منذ عام 1979 أو غيرها من التجارب , هل تمكنت من خلق المجتمع الفاضل النابذ للخمور و المتمسك بمكارم الأخلاق ? ام أن غياب الخمور قد عوض عنه إزدياد مهول في إنتشار المخدرات وحبوب الهلوسة و بقية أصناف المتعة الحرام ? لا يكفي أبدا أن تمنع الخمور من دون قيام منظومة تربوية و أخلاقية وقانونية تطبق حرفيا مباديء التقوى و العدالة , في أوروبا يبيحون الحريات العامة التي تنتهي عند إصطدامها مع حريات الآخرين الخاصة , و يبيعون الخمر بمختلف أصنافه ولكن الويل كل الويل لمن يضبط وهو يسوق سيارته وقد تناول الخمر ? ساعتها ستطبق عليه كل القوانين القاسية التي تبدأ بالغرامة الباهظة و تستمر مع سحب إجازة السوق نهائيا إضافة للإيداع في السجن فهل ستطبق في العراق أو في أي دولة عربية اخرى تمنع الخمور مثل تلك القوانين ? الجواب بألف لا... عندها لن يكون للمنع أي معنى سوى ذلك الذي يصب في مصالح التجار و المهربين و اهل السوق السوداء , و يبدو أن الخمر ليس المقصود في حديث المشهداني بل ماهو مقصود الحريات العامة و الدولة المدنية التي يريد أهل الفكر الظلامي إلغائها من الوجود و الذاكرة و التفكير الشعبي وصولا إلى تسهيل أطروحة الدولة الدينية الفاشلة.. ولم يكتف المشهداني البرلماني السابق و المرشح الفاشل حاليا بالتهكم على الديمقراطية التي جعلت منه شيئا مذكورا بل أنه بات يخوض في المعادلات السياسية بطريقة رياضية و حسابية و يتجرأ على تصنيف طبيعة المجتمع العراقي بقوله الذي صاغه على شكل معادلة رياضية بأن العراق هو بلاد مابين النهرين زائدا إيران و السعودية ! وهي معادلة عرجاء وعوراء و لامعنى لها أبدا , فالعراق هو العراق بتشكيلته الشعبية و فسيفسائه الحضارية و الدينية و الطائفية ولايمكن أن يكون ملعب أو صدى للآخرين سواء من الأشقاء أو الأصدقاء و يبدو أن المشهداني بعد أن فقد مقعده النيابي قد إلتبست عليه الأمور وبات كذلك الذي في الصيف قد ضيع اللبن! لقد كانت التصريحات الهوائية للمشهداني سابقا تعبر عن طرافة وهزلية في مشهد عراقي مأسوي و ساخن أما اليوم ففي تصريحاته السمجة و الغريبة وغير المتوازنة كل عناصر الإستبداد و إحتقار الحريات و الإنقلاب على الديمقراطية.... إنها مهزلة سياسيي آخر الزمان و الذين لولا فوضى الإحتلال الأميركي المهلكة وليس الخلاقة ما سمعنا بهم إلا عبر مذكرات quot;ميكي ماوسquot;!.. ولله في خلقه شجون.
التعليقات