هاني نقشبندي

عكاظ


كتبت منذ وقت مقالا عن التعصب القبلي نشر نصفه بسبب طوله، كما قيل لي، وها أنا اليوم أعود إلى الكتابة بنفس الموضوع مختصرا فيه قدر المستطاع تجنبا لأي نصف نشر محتمل.
أقول إن كان المساس بالقبيلة خطا أحمر، فإن المساس بالوحدة الوطنية ألف خط أحمر. وما مناقشات مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حول التعصب القبلي سوى دليل على ذلك. ليس المجتمع السعودي قبليا في كليته، وإن كان كذلك في أكثره. وأقل أثر قد يحدثه تعصب الأكثرية هو فصل الأقلية غير القبلية عن المجتمع، وهي أقلية لا تقل وطنية عن الأكثرية بحال.
الحوار الذي يقوده مركز الملك عبد العزيز مخلص وجاد في غايته وماهيته، لكني أتساءل عن مدى قناعة أطراف الحوار بما ينادون به. معظم المشاركين ندد بقضية اختلاف النسب كسبب للطلاق مثلا، وهي القضية التي نعرفها كلنا. لكن هل كل المشاركين في الحوار سيقبلون تزويج بناتهم أو أبنائهم بنسب أقل من نسبهم؟ أنت لا يمكن أن تقف ضد القبلية بقرار حكومي، لكن القرار الحكومي قادر على الحد من تزايد نفوذ القبلية. نقرأ بين حين وآخر عن حفل كبير أقامته قبيلة ما، ودعت اليه مسؤولا إداريا من باب التقدير له في الظاهر، وتقديرا للقبيلة نفسها في الباطن.
لا بأس أن تقيم قبيلة حفلا خاصا بها، لكن أن يشارك في الحفل مسؤول إداري فهذا خطأ، لأن في ذلك مباركة ضمنية لمثل هذا التكتل القبلي.
لست أعلم عن مجتمع متطور تقام فيه حفلات قبلية، لكن القبائل لدينا ليست أقلية، ولا هي مهددة بالوجود في معتنقها وعاداتها.
نحن مجتمع متعلم، وتتصدر ميزانية التعليم قائمة الإنفاق الحكومي لدينا، مع ذلك لا تزال قضية النسب والتعصب القبلي قائمة، بل تزداد حدتها في المجتمع، فهل هو تعليمنا الذي يعاني من خلل ما، أم هي خصوصية المجتمع التي مللنا تكرارها؟
للتعليم دور مهم ولا شك. وإضافة مواد تعليمية خاصة بالوحدة الوطنية تساهم في تحقيق الانصهار لأبناء المجتمع كما أراد المؤسس رحمه الله. لكن هناك أيضا خطوة أخرى يجب التأكيد عليها، وفي قناعتي أنها اكثر أثرا من التعليم في القضاء على القبلية، إنها مسألة التنمية. الدولة هي أب الجميع، وتنمية المجتمع مسؤوليته. فالتخفيف من البطالة، وزيادة الإنفاق على المؤسسات المدنية والاجتماعية والصحية، كل ذلك يضعف من سلطة القبيلة التي بات يلجأ إليها كل من أراد خطابا للعلاج في مشفى حكومي.
التنمية كانت دوما المصدر الأساسي لشرعية الدول الحديثة واستقرارها ووحدتها. وتنامي دور القبيلة لدينا قد يعني أن خطط التنمية في حاجة إلى إعادة نظر.

القبلية والمناطقية وخطاب العصبية!

أمل زاهد

الوطن

يبدو أن مجرد طرح محور( القبلية وليس القبيلة) على طاولة الحوار أثار حفيظة بعض الأقلام لتخرج مستنكرة ومستهجنة أن يتبنى مركز الحوار الوطني محور القبلية كأحد المحاور المطروحة للنقاش! فغني عن الذكر أن هناك اختلافا بين القبيلة والقبلية أو القبائلية، فالقبيلة انتماء وقيمة اجتماعية؛ بينما تُضمن القبلية معاني سلبية يتركز التعصب والتعنصر أحد أبرز ملامحها السلبية. ما عُني به مركز الحوار الوطني في موضوعه المطروح هو العصبية والعنصرية وتبخيس الآخرين وتحقيرهم والانتقاص منهم والتقليل من شأنهم وتجريدهم من الفضائل فقط لأنهم خارج الانتماء القبلي أو المناطقي! ولعلّ من أجمل ما رأيته معبرا عن بؤس مشهدنا الثقافي هو كاريكتير الزميل المبدع (خالد أحمد) الثلاثاء الماضي، ففوق طاولة الحوار يناقش موضوع القبلية بينما تتصدع الأرض وترتج تحت الطاولة إثر منطق العصبية البغيض، والذي ظهرت آثاره في بعض ما نشرته الصحافة للأسف الشديد!
وقد أسعدني كثيرا أنني كنت إحدى المشاركات في الحوار الأخير عن هذا الموضوع الحساس، والذي أدرك مركز الحوار الوطني أثره السلبي على خطابنا الثقافي؛ فوضعه على مائدة الحوار اعترافا منه بإشكالية لا ينفع معها دفن رؤوسنا في الرمال، فما مزايين الإبل وشاعر المليون وخلافه من تمظهرات إلا رأس جبل الجليد، بينما يتجلى خطر العصبية والعنصرية في أبشع صوره في تفريق الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب! وأستطيع أن أقول إن كثيرا من المداخلات كانت ترفض العنصرية، ولا ترى بأسا في الهويات الصغرى إذا ما اقتصرت على الانتماء الاجتماعي الثقافي، لتنضوي الهويات الصغرى تحت مظلة المواطنة لتشكل مصدر ثراء وزخم للهوية الأم.
فمن نافلة القول أن الهوية تتكون من دوائر من الانتماءات المختلفة التي يثري بعضها بعضا، خاصة عندما يتم استيفاء حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة دون تمييز عرقي أو جنسي أو مناطقي أو مذهبي، وهنا تذوي الهويات الصغرى تحت مظلة المواطنة في الدولة المدنية التي تكفل -بقوة القانون- لكل المواطنين حقوقهم. ما يمكن أن يضرب اللحمة الوطنية هو التمييز بين المواطنين وغياب العدالة الاجتماعية، وعدم تكافؤ الفرص واحتكار مناصب الدولة في فئة أو منطقة بعينها؛ وعدم توزيع الخدمات الأولية على المناطق بالتساوي. وهنا تبرز الهوية الصغرى على حساب الهوية الكبرى كآلية دفاع حتمية؛ عندما تسود ثقافة الولاء والجهوية والمحسوبية على حساب ثقافة الكفاءة والقدرة والإنجاز، وبهذا تهدر الطاقات البشرية فيتم بذلك هدر الأوطان؛ فما الأوطان إلا الإنسان.
أما خطاب التصنيفات الفكرية المثقل بحمولات اتهامية تشكك في الدين أو الولاء للوطن، أو تسلط سيف التغريب أو العلمنة أو التكفير وصولا لهدر الدم لمجرد اختلاف في الرأي فلا يؤدي فقط للفرقة والتشرذم، ولكن خطره الأكبر يتجلى في التطرف الذي يقود بالضرورة للإرهاب؛ وفي إهدار دم الإعلاميين والكتاب دلالة على خطورة هذه التصنيفات.
بقي أن أقول: إنه كما نرفض هذه التصنيفات الملغمة باتهامات التشكيك، يجب أن نرفض التنصنيفات الأخرى القائمة على الإقصاء أو الانتقاص وصولا للاستعداء الذي مارسته بعض الأقلام الصحفية مع من يختلفون معها في الرأي!

قبيلي ولا قبيلي