إياد الدليمي

عاشت بغداد طيلة الأسبوعين المنصرمين سلسلة من الاغتيالات التي تمت في أغلبها بطريقة واحدة، وكان هدفها الرئيس شخصيات عسكرية في الجيش أو الشرطة أو أخرى حكومية، وأيضاً عمليات اغتيال استهدفت مواطنين في دورهم.
الطريقة تشابهت إلى حد كبير؛ أسلحة كاتمة للصوت ورصاصات قليلة تخترق رأس المجني عليه بعد عملية ترصد وترقب له أثناء ذهابه وإيابه إلى مركز عمله، والأكثر من ذلك أن العمليات تستهدف أناساً مسؤولين عن الأمن وحفظ أرواح الناس كانوا يتنقلون بواسطة سيارات مدنية غير معروفة حتى يضللوا أمثال هذه الجماعات التي تستهدفهم.
ليس غريباً أن تتصاعد مثل هذه العمليات في بغداد، وليس غريباً أن نسمع عن مثلها بين وقت وآخر، ولكن الغريب أنه رغم كل شيء تبقى المعالجات طفيفة ولا ترقى لمستوى التحدي، فإما أن تقوم السلطات الأمنية بتشديد الإجراءات الأمنية حول مواقع ودوائر حكومية أو تزيد من نقاط التفتيش في شوارع العاصمة بغداد، دون أن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى أي تحسن يذكر على صعيد معالجة ظاهرة الاغتيالات التي باتت تهدد وبقوة كل مكسب أمني يمكن أن تتحدث عنه الحكومة العراقية.
إن عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات عسكرية بارزة في بغداد لا يمكن أن تكون إلا عمليات مبرمجة ومنسقة، وإن الجهات التي تقوم بها هي جهات متغلغلة في جسد المؤسسة الأمنية في العراق، وإلا هل يعقل أن تعرف تلك المجاميع المسلحة نوع السيارة المدنية التي وزعتها الحكومة على مثل هذه الشخصيات، لتقوم بتعقبها واغتيال سائقها؟
الأكيد أن تلك المجموعات على دراية تامة بما يجري داخل المؤسسة الأمنية وهي ليست بعيدة عن أي إجراءات أمنية يمكن أن تتخذ سواء لحماية المدنيين من تفجيرات المفخخات أو تلك التي يمكن أن تلجأ إليها الأجهزة الأمنية لحماية ضباطها وكبار قادتها.
نعم، العلة ليست في عصابات خارجة عن القانون أو جماعات مسلحة تحارب الحكومة كما قد يتوهم البعض، العلة الأبرز في السرطان المستشري داخل المؤسسة العسكرية العراقية، سرطان اسمه الميليشيات وضباط الدمج وغيرهم، ممن انتسبوا إلى تلك الأجهزة الأمنية كونهم عناصر في هذا الحزب أو تلك الجهة السياسية، وهو ما أدى إلى أن يكون هؤلاء أداة سهلة الاختراق، سواء من قبل مؤسساتهم الحزبية أو من قبل أجندات داخلية أو حتى خارجية.
الاغتيالات في بغداد التي بدأت تتصاعد يمكن أن تمثل بداية لنكسة الحالة الأمنية التي يمكن أن نطلق عليها أنها هادئة، وهو ما يتوجب على القائمين على هذا الملف الانتباه له، فتكرار مثل هذه العمليات يمكن أن يقود إلى حالة أمنية مزرية، كما أن الحكومة العراقية مطالبة وبشدة بالكشف عن الجهات التي تقف وراء تلك العمليات، ولا تكتفي بإطلاق الاتهامات على هذا الطرف أو ذاك، خاصة أن هناك معلومات ترد من بغداد تؤكد أن الجهات المنفذة للاغتيالات هي من وسط المؤسسة الأمنية وأن البعض من هذه الاغتيالات كانت بإشراف من قبل شخصيات بارزة في بعض إحياء داخل بغداد.
ولعلنا نذكّر هنا بما ورد على لسان محمد الذرب عضو مجلس محافظة بغداد الذي قال إن الاغتيالات التي حصلت في بغداد كانت بواسطة عناصر داخل المؤسسة الأمنية، مؤكداً أن التحقيقات أثبتت تورط العشرات منهم في هذه الاغتيالات.
الجميع مطالب بكشف هذه الشبكة المريبة التي تفتك بالجسد العراقي من الداخل، الحكومة مطالبة بتعرية كل الجهات التي تقف وراء هذه المجموعة وإلا فإن القادم سيكون أسوأ.