طهران - ستار ناصر:

يمكن للمراقب السياسي وهو يرصد الشأن الإيراني طيلة حقبة العشر سنوات بداية من عام 2001 حتى 2010 أن يدرك بأن ثمة صوراً جديدة قد قفزت إلى المسرح السياسي الإيراني، والحقيقة ان إيران ومنذ عام 2001 حتى 2005 خضعت لحقبة الإصلاحيين برئاسة الرئيس الاسبق محمد خاتمي الذي تمكن من هزيمة الأصوليين في انتخابات حصل فيها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي على 22 مليون صوت في مقابل عدد من الأصوليين أبرزهم أحمد توكلي الذي لم يحصل سوى على 15% من الأصوات التي بلغت 28 مليون ناخب، وأما الحقبة الثانية فكانت من حصة المحافظين برئاسة أحمدي نجاد التي بدأت من 2005 ولازالت .

خلال العهد الإصلاحي الثاني برئاسة محمد خاتمي الذي بدأ من عام2001 حتى 2005 استمر خاتمي في طرح أفكاره الإصلاحية التي تتعلق بإقامة علاقات إيرانية- أمريكية ضمن لافتة (حوار الحضارات) كما أنه واصل مزاحمة حاكمية المرشد علي خامنئي عندما دعا إلى ضرورة توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية والقيام بتقديم لوائح جديدة في ما يتعلق بقانون الصحافة، في مقابل ذلك واصل الأصوليون مزاحمتهم للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وقاموا بخلق الأزمات السياسية في وجه حكومته وقد اعترف خاتمي للصحفيين قائلاً: ldquo;كل أسبوع هناك أزمة واحدة في الحكومة الإصلاحيةrdquo; وفي ختام العهد الإصلاحي في إيران فاز الرئيس أحمدي نجاد (مرشح التيار الأصولي المتشدد) علي هاشمي رفسنجاني في انتخابات 2005 وقد شكل فوز الرئيس نجاد نهاية للعهد الإصلاحي ، ومع استمرار الرئيس نجاد في تنفيذ مشروعه السياسي أخذت ثنائية ldquo;الإصلاحيين المحافظينrdquo; بالتلاشي والذوبان وبدأت أحادية أصولية تستحوذ على مقاليد السلطة، ومع تقدم الزمان انشطرت الأصولية الإيرانية إلى ثنائية، المعتدلين برئاسة هاشمي رفسنجاني والمتشددة برئاسة محمد اليزدي ويبدو ان الرئيس أحمدي نجاد اتخذ لحكومته منحى آخر أطلق عليه ldquo;حزب الولايةrdquo; .

ldquo;الخليجrdquo; تستعرض في هذا الملف أبرز تفاصيل حقبة سياسية حافلة بالمحطات السياسية للإصلاحيين والمحافظين .

الجمهورية الخاتمية

تصاعدت في إيران بتاريخ (1-6-2001) وتيرة الحملات الدعائية مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر يوم الجمعة (8-1-2001)، فبينما دعت المعارضة الليبرالية والتيارات الإصلاحية إلى التصويت للرئيس الإصلاحي المنتهية ولايته محمد خاتمي، وكان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي قد عمل أثناء فترة ولايته في السنوات الخمس السابقة على تأمين المزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية حتى وصفه المحافظون بخيانة (ثورة الامام الخميني 1979 الإسلامية) . وقد شكا خاتمي علناً في السابق من نقص صلاحيات منصبه الذي لا سلطة له على أجهزة القضاء والجيش والشرطة التي يسيطر عليها المحافظون . ولبيان حجم القلق لدى أوساط المحافظين حذر وزير الأمن الإيراني الأسبق علي فلاحيان المحسوب على تيار المحافظين من انتخاب خاتمي واصفاً إياه بأنه ldquo;رئيس ضعيف سيقود البلاد إلى الفوضىrdquo; .

وقال ldquo;إنه رئيس ضعيف وحكومته ضعيفة في معالجة القضايا الأمنية والاقتصادية في البلادrdquo;، وأشار إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وإشهار العديد من المصانع إفلاسها أثناء فترة ولايته الأولى . وحذر فلاحيان من إعادة انتخاب الرئيس خاتمي لفترة رئاسية ثانية ما لم يغير سياسته . وقال إن إعادة انتخاب خاتمي تهدد النظام والثورة على الوضع الأمني والاقتصادي المتردي بسبب البطالة والتضخم، وأضاف أن الأزمة ستتفاقم إذا ما أعيد انتخاب خاتمي وظل يصر على الاكتفاء بالحرية والتعددية . ورغم الانتقادات التي جاءت من اقطاب الأصولية بشتى أطيافها فاز الرئيس محمد خاتمي بولاية رئاسية ثانية (8-1-2001) وقد حصل على أكثر من 21 مليون صوت من أصل أكثر من 28 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية . وحقق خاتمي الذي حصل على 77% من الأصوات، فوزاً ساحقاً بفارق كبير عن منافسيه التسعة، وفاز بذلك بولاية رئاسية ثانية . وقالت وزارة الداخلية الإيرانية، إن خاتمي حصل على أكثر من نصف أصوات المشاركين في الاقتراع، في حين لم تتجاوز الأصوات التي حصل عليها في انتخابات عام 1997 نسبة 1 .69% . وحصل أقرب منافسيه وهو وزير العمل السابق أحمد توكلي على 5 .15% .

ومن خلال هذا الفوز الساحق كان يأمل الإصلاحيون في إيران بأن يؤدي هذا النصر الساحق إلى تقوية نهج الإصلاحات في مواجهة المحافظين الذين هددوا الرئيس خاتمي بأنهم سيضربون برنامجه الإصلاحي .

ويقول شمس الواعظين (محلل إيراني إصلاحي) إن النتائج تعكس تأييد غالبية الإيرانيين للنهج الإصلاحي الذي تبناه الرئيس خاتمي على مدار السنوات الأربع الماضية أثناء فترة رئاسته الأولى . وأضاف أن النهج الإصلاحي بعد 20 عاماً على الثورة الإسلامية لم يعد مجرد شعار يرفعه خاتمي وإنما أصبح خياراً لا رجعة فيه، وتابع: إن إيران منحت صوتها للنهج الإصلاحي وحتى المرشحين المعارضين للرئيس خاتمي تحدثوا عن النهج الإصلاحي في برامجهم الدعائية . من جانبه اكد محمد رضا خاتمي (شقيق الرئيس خاتمي)، أن الفوز الكبير للرئيس خاتمي يعني أن الشعب صوت بقوة لصالح مشروع الإصلاحات، وأضاف أن نهج الإصلاحات مازال يحتفظ بحيويته وقوته رغم العقبات التي وضعها المحافظون وفرضوا قيوداً غير متناهية على عمل الحكومة في السنوات السابقة في غضون ذلك شهدت إيران في عصر الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وفرة في الحركات والاحزاب السياسية منذ وصوله إلى السلطة في المرة الأولى بحيث بات عددها 154 فضلاً عن حوالي خمسين أخرى تقدمت بطلبات لنيل الموافقة . وتلقي الأرقام التي صدرت عن وزارة الداخلية الإيرانية بهذا الشأن الضوء على هذه الظاهرة الملفتة خصوصاً أنه لم يكن هناك سوى 39 حزباً وجمعية سياسية لدى استلام خاتمي السلطة في ولايته الأولى . ويقول خبير إيراني إصلاحي إن عدد هذه الأحزاب مثير للدهشة، لكن هذه المجموعات التي تأسست حديثاً هي شبيهة بالمنظمات غير الحكومية أو مجموعات الضغط ذات التوجه المهني أكثر مما هي عوامل فاعلة في الحياة السياسية . وأضاف: ldquo;لقد وعد خاتمي بإعلاء شأن المجتمع المدني والحريات السياسية وهي عناوين عزيزة على قلبه . وتعتبر التراخيص الكثيرة للأحزاب دليلاً على الإيفاء بوعوده وسيتطور ذلك أكثر خلال ولايته الثانية . إنها بداية للديمقراطيةrdquo; .

وترى نسرين علائي (أستاذة في العلوم السياسية في إيران) أن أهم التطورات بالنسبة لإيران على مدار عام 2001 كانت الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي . وقالت نسرين: إن الشعب الإيراني ذكي لأنه صوت لمشاريع المرشحين ولم يصوت للأشخاص وهو يريد من الرئيس خاتمي أن يحقق حلمه . وأكدت علائي أن خاتمي وطيلة الفترة السابقة واللاحقة لم يعمل شيئاً والسبب هو وجود العراقيل لأنه اعترف مراراً بأن حاله كحال من يلقى في اليم وهو مكبل الذراعين ويقولون له: ldquo;اياك اياك أن تبتلrdquo; الحقيقة أن الخلل ليس في خاتمي بل في المعارضين الأصوليين الذين يهيمنون على مقاليد السلطة .

وحول الإنجازات التي حققها خاتمي خلال حقبته الثانية الإصلاحية تقول علائي: إن الرئيس خاتمي دعا من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والخمسين عام 1998 إلى إقرار مبدأ حوار الحضارات، وذلك كبديل عن الصراع والتصادم، وقد قوبل بحفاوة بالغة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث اعتبرت أن عام 2001 هو عام الحوار بين الحضارات . وأضافت أن الرئيس خاتمي أكد على ضرورة التوصل إلى السلام العالمي الدائم الذي يحتاج إليه البشر، وأن ذلك لن يتحقق إلا من خلال الحوار والمناقشات وتحكيم المنطق في العلاقات ونبذ التعصب والتزمت .

وتشير الدكتورة علائي إلى أن الأصولية تعتبر حوار الحضارات نهجاً علمانياً ويبرر للطغاة المستكبرين جرائمهم، كما أن حكومة الرئيس أحمدي نجاد اعتبرت فيما بعد مشروع الرئيس خاتمي في حوار الحضارات من المحرمات في السياسة لأنه يتناقض وقيم الخميني في دعم المستضعفين والثورة على المستكبرين . وتابعت : ان الحوار يجب أن يكون في إطار الإسلام وليس الحضارات وأن على الغرب أن يعتذر لشعوب المعمورة بسبب الاحتلال وتدمير البنى التحتية لتلك الشعوب .

العلاقات الإيرانية - الأمريكية

خضعت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة إلى تقلبات كثيرة، ويمكن القول إن العلاقة في عهد الرئيس خاتمي كانت أقوى من عهد الرئيس نجاد، وقد توجت العلاقات بين الطرفين عن طريق التفاهم في إسقاط نظامين لدودين لإيران هما نظام صدام حسين في العراق ونظام طالبان في كابول ، لكن ذلك التفاهم لم ينسحب على ملفات أخرى مثل (النووي)، ويبدو أن إيران في عهد الرئيس خاتمي قد سحبت يدها من الاستمرار في التعاون مع أمريكا . وبالطبع، فإن العصر الذي شهد فصلاً ربيعياً في عهد بوش ما لبث أن دخل في فصل خريفي، وانتقلت من مرحلة التعاون إلى التصادم في عهد الرئيس نجاد حيث تتوعد أمريكا إيران بين الفينة والأخرى بعاصفة صحراء كما حصل للعراق .

واستعراضاً لتاريخ العلاقات بين البلدين نقول إن عهداً جديداً قد بدأ، وإن إيران بدأت في عهد الرئيس خاتمي بمد اليد لكل الدول على أساس الاحترام المتبادل والاستقلال وخدمة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فضلاً عن سياسة الانفتاح التي انتهجها، لكن تلك السياسة جوبهت برد فعل من قبل المتشددين، فعلى الرغم من أن خاتمي كان راغباً في تغيير سياسة إيران الخارجية ليكسب القبول في المحافل الدولية، إلا أنه لا يملك لوحدة سلطة فعل ذلك . والمعروف أن القرار السياسي الخارجي هو بيد المرشد علي خامنئي ورغم ذلك فإن المرشد كان يدعم الرئيس خاتمي بشرط أن لا تتجاوز خططه ثوابت إيران في السياسة الخارجية، وفي بداية عهده اختصر خاتمي منهجه السياسي بالقول ldquo;إن عهدي سيكون أميناً على ميراث الثورة الكبير واتباع سياسة خارجية تنشد السلام والأمن وفق شعار مؤداه العزة والحكمة والمصلحة، والمهم في سياستنا هو إيجاد الموازنة في أن تكون إيران أمينة للإرث الذي تركه الخميني في مواجهة قوى الاستكبار التي تريد الهيمنة والوصول إلى مطامعها وبين سياسة الإصلاح والمرونة في علاقات إيران الخارجيةrdquo; .

يقول الباحث الإيراني الدكتور محمد بيروز إن سياسة خاتمي الخارجية توصف بالاعتدال والتعقل، لكن لم يحدث في السياسة الإيرانية أي تحول جذري خاص تجاه الولايات المتحدة لاعتبارات شخصية وإيديولوجية .

وأشار بيروز إلى أن علاقات إيران الدولية والإقليمية يمكن أن تكون افضل من العلاقات الحالية في عصر الرئيس نجاد، وذلك بسبب اتباع خاتمي سياسة التهدئة، ولم يمارس التهديد وهي سياسة تخالف تطلعات المرشد خامنئي التي رسم صورتها بأن تكون ldquo;سياسة هجوميةrdquo; وليست دفاعية وأن سياستنا يجب أن تدافع عن الشعوب المحرومة والمستضعفة في العراق وأفغانستان ودول أخرى .

في مقابل ذلك استمر الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في الدفاع عن سياسته الخارجية قائلاً: ldquo;علينا أن نميز بين الشعب والحكومة في أمريكا فنحن لا نقف في مواجهة الشعب الأمريكي ولم نحتقر الشعب الأمريكي أبداً وأن شعار شعبنا في (الموت لأمريكا) لا يقصد إلا رؤساء النظام الأمريكي ومنهم كارترrdquo; . وأكد خاتمي: ldquo;إن أحد الأخطاء التي اشتهرت بها السياسة الخارجية الأمريكية أن هذه السياسة رسمت وكأن الحرب الباردة لا زالت قائمة، وجرى الحديث في بعض الأوساط الدولية بأن الإسلام هو العدوrdquo; ورغم المرونة الخاتمية إزاء التشدد الأمريكي فإن الإصلاحيين في عهده وللمرحلة الثانية (2001-2005) لم يتمكنوا من تحقيق التقارب مع حكومة بوش التي صنفت إيران في ظل حكومة خاتمي بأنها أحد أضلاع محور الشر، وقد حصلت اختراقات طيلة عهد الإصلاحيين عن طريق الاتصالات الدبلوماسية ومن خلال السفارة السويسرية بطهران أو من خلال طرف ثالث تمكن فيه رجال دبلوماسيون أو رجال تجارة من نقل رسائل لإيران وبالعكس .

واتهمت حكومة بوش إيران بأنها تقوم بتقديم الدعم ل ldquo;الإرهابيينrdquo; في العراق، وردت إيران على تلك التهم بأن اعتبر خاتمي في تصريحات إلى الصحافيين (3 يوليو 2003) بعد اجتماع للحكومة الإيرانية، ldquo;ان جانباً من أسباب الضغوط الأمريكية على إيران، يعود إلى المشكلات التي تواجهها القوات الأمريكية والبريطانية في العراقrdquo;، نافياً أن تكون بلاده تتدخل هناك .

ويقول هاشمي ثمرة كبير مستشاري الرئيس نجاد، إن إيران تتحرك في علاقاتها الدبلوماسية مع جميع الدول في ظل ثوابت، وإننا على استعداد لاقامة علاقات مع جميع الدول باستثناء ldquo;إسرائيلrdquo; بشرط أن تكون العلاقات متوازنة وتخدم مصالح البلدين . وأشار ثمرة هاشمي إلى أن أمريكا قد خسرت الكثير نتيجة ممارسة غطرستها على إيران وأنها تطرح شروطاً مذلة وتريد من الإيرانيين أن يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة .

في السياق ذاته أكد باحث إيراني، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن إيران في عهد الرئيس أحمدي نجاد تريد إقامة علاقات مع أمريكا، وأن ثمة إشارات مابين الطرفين توحي بضرورة عقد جلسات على مستوى مساعدين للوزراء . وأشار الباحث الإيراني إلى أن تغيير الرئيس نجاد لوزير خارجيته يأتي في هذا السياق وأنه يريد الإمساك بالقرار الدبلوماسي لحكومته بعيداً عن الأحزاب الأخرى .

الملف النووي

طيلة العشر سنوات من عهد الإصلاحيين والمتشددين في قيادة إيران لازال الملف النووي يراوح في مكانه ولم تنفع المرونة والتنازلات الخاتمية للغرب في إضفاء حالة رسمية وانتزاع حق دبلوماسي لبرنامج إيران النووي ، على أن خطوات خاتمي النووية بدأت بمحطات متعددة وكاد أن يصل الرجل إلى نهاية المطاف لولا التعنت الأوروبي في فرض اجندة أمريكية ldquo;إسرائيليةrdquo; على مباحثات إيران مع الترويكا الأوروبية التي تحولت في ما بعد إلى مجموعة 5+1 بدخول أمريكا وروسيا، ولقد تعرضت حكومة خاتمي إلى انتقادات واتهامات بالخيانة بسبب دخولها بمباحثات سرية مع الغرب لتعطيل برنامج إيران النووي حسب اتفاق (يوسف آباد 2003) حيث تعهدت إيران تجميد عمليات التخصيب . ورغم ذلك فقد رفض الغرب المقترح الإيراني وفي 15 يوليو/ تموز 2004 أعرب الرئيس الإيراني ، محمد خاتمي ، عن استيائه لعدم وفاء فرنسا وبريطانيا وألمانيا بوعودها التي قطعتها مع إيران بخصوص الملف النووي الإيراني بعد الاتفاق معها في بروكسل على إغلاق ملف إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال تعليق إنتاجها وتجميع أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم .

وقال خاتمي للصحافيين لدى خروجه من اجتماع مجلس الوزراء ldquo;اتفقنا مع الأوروبيين في بروكسل في فبراير/ شباط الماضي على تعليق انتاج وتجميع أجهزة الطرد المركزي ، على أن يعمل الأوروبيون في المقابل على إغلاق ملفنا في الوكالة الدولية للطاقة الذريةrdquo; . وتابع ldquo;لكن الأوروبيين لم يفوا بالتزامهم . . ولم نعد بالتالي ملزمين بهذا الاتفاقrdquo; .

وبحسب المسؤولين الإيرانيين ، فإن الدول الأوروبية الثلاث وعدت إيران بسحب ملف نشاطاتها النووية عن جدول أعمال مجلس حكام الوكالة خلال اجتماع يونيو/ حزيران . غير أن باريس وبرلين ولندن عرضت قراراً شديد اللهجة تبنته الوكالة في يونيو/ حزيران، ينتقد بشدة إيران لعدم تعاونها . وأكد خاتمي أن إيران لا تزال ملتزمة باتفاقات أكتوبر/ تشرين الأول 2003 بشأن تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم .

وكان الرئيس الإيراني قد شدد على رفض الضغوط الأمريكية في الملف النووي، مؤكداً استمرار التعاون في شكل أكبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ممثلة برئيسها محمد البرادعي الذي تلقى دعوة لزيارة إيران . وقال: ldquo;نعارض سياسة اختلاق الذرائع التي تتبعها معنا الإدارة الأمريكية الرافضة حقنا الطبيعي في امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلميةrdquo; . وخلال زيارة جاك سترو وزير خارجية بريطانيا لطهران، حمل الوزير مطالب بدعم أمريكي، منها توقيع البروتوكول الإضافي الخاص بعمليات التفتيش المفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية، ومطالبة طهران بممارسة نفوذها على شيعة العراق لمنع الهجمات على قوات ldquo;التحالفrdquo;، والحقيقة أن ملف إيران النووي الذي انتقل من العهد الإصلاحي إلى العهد النجادي بقي على سخونته بسبب خروج الرئيس نجاد على سياقات الرئيس خاتمي وضرب بكل الاتفاقات مع أوروبا عرض الحائط وقام باستئناف عمليات التخصيب بعد قيام حكومة خاتمي بتجميدها وزاد من أجهزة التخصيب وأثار قلق أمريكا والغرب فصدرت عن مجلس الأمن بضغط أمريكي وغربي أربعة قرارات تفرض عقوبات اقتصادية على طهران، ويأتي الاهتمام الإيراني بالجانب النووي لاعتبارات مهمة لعل أهمها بحسب حديث لأحد المحققين أن الملف النووي يجسد طموح إيران إلى لعب دور إقليمي . ويرى أن مرحلة الرئيس نجاد لا تمثل قطيعة مع مرحلة الرئيس خاتمي ولا حتى تغييراً راديكالياً يستند إلى دوافع أيديولوجية مغايرة، وإنما استمراراً منطقياً لها . ويكمن الاختلاف الأساسي بين المرحلتين في صعود الحضور الإقليمي لطهران بعد احتلال العراق، والذي أفضى إلى تغيير التكتيكات التفاوضية الإيرانية وآليات صناعة القرار النووي فيها بالترافق مع وصول نجاد إلى رئاسة الجمهورية .

إقصاء الإصلاحيين

في 14 يناير/ كانون الثاني 2004 رفض مجلس صيانة الدستور الإيراني ترشيح المئات من الإصلاحيين للانتخابات البرلمانية السابعة وقد عطل النواب الإصلاحيون البرلمان ونظموا اعتصامات داخله بسبب رفض ترشيحهم مجدداً إلى البرلمان في 20 فبراير/ شباط 2004 . وأكد النواب المعتصمون أنهم طرحوا خيار الاستقالات الجماعية وهو أحد الخيارات الجدية، وأن هذه الاستقالات قد تشمل عدداً كبيراً من أعضاء حكومة الرئيس خاتمي وحكام المحافظات والنواب . وقد رفض المرشد خامنئي التدخل في وقتها وهدد نائب الرئيس الإيراني علي ستاري فار باستقالة الحكومة، إذا لم تتوفر الظروف المناسبة لتنظيم انتخابات حرة في البلاد . وقالت مصادر مقربة من الحكومة إن أكثر من عشرة وزراء ونواب للرئيس هددوا بالاستقالة . وقد واصل ثمانون نائباً اعتصامهم داخل البرلمان حتى تحقيق مطالبهم، وأصدروا بياناً طالبوا فيه مجلس صيانة الدستور بتقديم أدلة لرفض أهليتهم واطلاع الرأي العام عليها، وأكد النواب عزمهم الاحتكام إلى الرأي العام . واستقبل الرئيس السابق محمد خاتمي مسؤولي وزارة الداخلية ومسؤولي 27 محافظة من أصل 28 وبحث معهم في مسألة رفض الترشيحات .

انتخابات رئاسية وأزمة

واستيقظ الشارع الإيراني في 12 يونيو/ حزيران 2009 على أزمة جديدة شكلت سابقة في مسيرة الثورة هي التشكيك بنتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة ولازالت إيران تعيش تحت تأثير ذلك الحدث وتداعياته، وتسببت أحداث 12 يونيو 2009 في إيقاظ الفتنة النائمة في الداخل الإيراني بعد 20 عاماً من العزلة، وخرج مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق من عرينه ليكفر بالنظام وليختصر في بياناته النارية أن كل شيء في إيران يسير خلاف نهج الثورة، وبدأ تمرده على مؤسسات الثورة وتجاوز الخطوط الحمر عندما استبق النتائج الرسمية بإعلان فوزه برئاسة الجمهورية الإسلامية، في الوقت الذي أعلنت فيه وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد، بفترة رئاسية جديدة . ووسط تمسك كل فريق بإعلان فوز مرشحه، أكد كامران دانشجو، رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات، في تصريحات للصحفيين تقدم الرئيس نجاد، بحسب النتائج الأولية، مشيراً إلى أنه تم حتى اللحظة، فرز خمسة ملايين صوت، كان نصيب نجاد منها حوالي ثلاثة ملايين، أي ما يعادل 04 .69 في المئة . وقال دانشجو إن موسوي حصل على مليون و425 ألف صوت، أي ما نسبته 28 في المئة، بحسب النتائج الأولية للأصوات التي تم فرزها، وتمثل حوالي 20 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين . وكان موسوي قد ذكر، بعد قليل من إغلاق مراكز الاقتراع، أنه حقق ldquo;فوزاً كاسحاًrdquo; في الانتخابات الرئاسية، كما أفاد أحد أبرز مساعديه، علي أكبر محتشمي بور، بأن المعلومات الواردة من المحافظات ومن طهران تشير إلى حصول موسوي على 65 في المئة من الأصوات . وقبل قليل من إغلاق التصويت، قررت اللجنة المشرفة على الانتخابات تمديد التصويت لأربع ساعات، نظراً للإقبال الكبير على المشاركة في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية الإيرانية، وسط مؤشرات أولية أفادت بانحسار المنافسة بين الرئيس المحافظ المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، والمرشح الإصلاحي موسوي . وفي يوم 19 يونيو 2009 أعلن عن فوز الرئيس نجاد لكن كان الاعلان بمثابة (انطلاق) صرخات المعارضة التي اجتاحت شوارع طهران ومدن إيرانية أخرى حيث ارتفعت ألسنة الدخان من مؤسسات ثقافية ومعارف ومؤسسات اقتصادية ومحال تجارية، فيما قامت الأجهزة الأمنية والشرطة والحرس باعتقال عناصر ldquo;الإصلاحاتrdquo; . وفي 20-6-2009 اتهم الرئيس الإيراني نجاد من وصفهم بالأعداء بالوقوف وراء الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، في حين أكد الحاكم العام لطهران رفضه منح ترخيص لتنظيم مظاهرات جديدة بينما اعتقلت محافظة لرستان بعض من وصفتهم بمثيري الشغب في المظاهرات الماضية . فقد قال الرئيس الإيراني إن ldquo;الأعداء يشعرون بالأسى بسبب المشاركة الكثيفة للناس في الانتخاباتrdquo; . في غضون ذلك أعلن الحاكم العام لطهران مرتضى تمدن أنه لم تحصل أي مجموعات إيرانية إصلاحية على ترخيص لتنظيم مظاهرة احتجاجية . وكان ldquo;حزب الثقة الوطنيةrdquo; الذي يتزعمه المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الإصلاحي مهدي كروبي وجمعية رجال الدين المقاتلين التي تضم رجال دين إصلاحيين في إيران طلبا الحصول على إذن لتنظيم مظاهرات للاحتجاج على نتائج الانتخابات . وقد دعا كروبي في رسالة مفتوحة نشرت على موقعه على الإنترنت إلى إلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية من أجل ldquo;ضمان نجاة المؤسسةrdquo; . كما كان أنصار المرشح الإصلاحي للرئاسة موسوي يخططون لاجتماع حاشد آخر، إلا أن مصادر مقربة من موسوي قالت إن وزارة الداخلية رفضت طلباً بتنظيم المسيرة التي كان متوقعاً أن تحضرها شخصيات بارزة .

يقول المحلل الإيراني علي رضا فتاحي ل ldquo;الخليجrdquo;: إن خروج المظاهرات والاحتجاجات على نتائج الانتخابات العام الماضي 2009 يشكل سابقة في تاريخ الثورة لأن الاحتجاجات كانت سلمية تنتهي بمرور الساعات وتحسم من قبل مجلس الصيانة، أما اليوم فإننا نرى أن هناك معارضة تستخدم وسائل الحرب وليس السلم ورفعت شعارات علنية ضد ولاية الفقيه والنظام . وأضاف: ldquo;التغيير الثاني في اعتقادي أن زعماء المعارضة أظهروا للعالم وللرأي العام المحلي والدولي أنهم لايؤمنون بكلمة خامنئي على أساس أنها كلمة الفصل وهذا سر الاستمرارية في الاحتجاج، وأما التغيير الثالث فهو عدم الاعتراف بمؤسسات النظام، بمعنى أوضح أن المعارضة الإصلاحية برئاسة مير حسين موسوي تتطلع إلى بناء نظام إسلامي جديدrdquo; وكان خامنئي حذر في خطبة صلاة الجمعة 19-6-2009 قادة المعارضة الإصلاحية بأنهم سيتحملون مسؤولية أي إراقة للدماء، داعياً لإنهاء جميع المظاهرات التي تشهدها البلاد في الشوارع والقبول بفوز نجاد . وقال إنه من الخطأ الاعتقاد أن التحركات في الشوارع ستشكل أداة ضغط على الحكومة، معتبراً أن ldquo;هذا تمهيد للدكتاتوريةrdquo; . وأكد أنه إذا كانت هناك شبهة فعلى مجلس صيانة الدستور دراسة الأمر وفق الدستور، مستبعداً حدوث تزوير كبير بنتائج الانتخابات، وقال إن قانون الجمهورية الإسلامية لا يسمح بذلك . وكان زعماء المعارضة وطيلة العام يتمردون على وصايا خامنئي ومنهجه في تسوية الأزمة وقد استمروا في تنظيم مزيد من المسيرات الاحتجاجية وتحدوا بذلك تصريحات خامنئي وحظر وزارة الداخلية، وباتوا اليوم أي في عام2011 ينتظرون مصير التمرد على قيم ولاية الفقيه .

ويقول زعيم نهضة الحرية إبراهيم يزدي رداً على تلك الأحداث ومستقبل الثورة: ldquo;إنني أفصل مابين الثورة وبين الحكومةrdquo; . وأعتبر الثورة ثورة كلاسيكية شعبية أصيلة، غيرت من الصراع التاريخي بين التقاليد والحداثة لصالح الحداثة في إيران . كانت طموحات ثورتنا تنحصر في ثلاثة أشياء: الحرية والاستقلال والجمهورية الإسلامية، وكنا نعني بالاستقلال إنهاء هيمنة القوى الأجنبية على بلادنا . ونحن مستقلون اليوم، فلا تُملي قوة خارجية على السلطات في إيران ماذا يجب أن تفعل، كما كان يحدث في فترة حكم الشاه . وكنا نقصد بالحرية أن نتحرر من القمع والظلم، وأن تكون لنا حقوق طبيعية أساسية، مثل حرية التعبير والتجمع وممارسة الأنشطة السياسية، وهذا لم يحدث . أما الهدف الثالث فكان الجمهورية الإسلامية (أي دستورية جمهورية في إطار إسلامي) . ولكن يُنتهك الدستور باستمرار . ويؤكد إبراهيم يزدي (أول وزير خارجية لإيران بعد الثورة عام1980) على موقعه الإلكتروني، لقد دفعت بلادنا ثمناً غالياً للصراع والنزاع القائم بين فصائل الثورة المختلفة . وخسر رجال الدين نفوذهم التاريخي على العامة، وارتكبوا خطأ استراتيجياً بتولي مناصب الحكم في الدولة . والواقع أن التوترات والصراعات بين القوى الإصلاحية والمحافظة في إيران اليوم تذكرني في شيء منها بالتوترات بين القوى الدينية والليبرالية واليسارية والقومية بعد قيام الثورة .

وخلال عهد الرئيس احمدي نجاد شهد الحرس الثوري حضوراً واسعاً في الجانب العسكري (مناورات وعرض أسلحة جديدة) وكذلك الحضور السياسي، وكان للحرس دور في السيطرة على الامن في إيران العام الماضي، ويفسر الخبير الإيراني محمد نوري زاده حضور الحرس بأنه مظهر جديد في السياسة الإيرانية بعد غياب الإصلاحيين .

ويقول زاده: إن إيران تشعر بتهديد أمريكي ldquo;إسرائيليrdquo; لضرب مفاعلاتها النووية . وأضاف أن المناورات في مياه الخليج لا تشكل تهديداً بل استعداداً إيرانياً، ومثلما تعرض ldquo;إسرائيلrdquo; عضلاتها فنحن كذلك، وأكد أن إيران تلقت رسائل استخباراتية مفادها أن أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; تسعيان لتوجيه ضربة عسكرية وأن الاستعدادات الإيرانية ليست من فراغ، إضافة إلى ذلك فهي محاولة لسحب الرأي العام عن الاهتمام بالداخل الإيراني وتحركات المعارضة وفوضويتها الاحتجاجية .

أحادية الأصولية

في ختام السفر السياسي الإيراني فإن المراقبين يعتقدون أن إيران في عهد الرئيس أحمدي نجاد قد دخلت مرحلة جديدة تتمثل بغياب الإصلاحيين عن المشهد السياسي الإيراني واقتصار المسرح السياسي على الشخصيات المحافظة والحرس، وظهرت أصوات للمعارضة من داخل الكتلة الأصولية يتزعمها هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء وبعضوية علي لاريجاني رئيس البرلمان إضافة إلى وجوه نيابية مثل أحمد توكلي ومحمد رضا باهنر، وهؤلاء إضافة إلى مراجع دينية في قم شهروا أمام الملأ معارضتهم لحكومة الرئيس أحمدي نجاد . ويرى المراقبون أن إيران الراهنة لم تعد تسمح للإصلاحيين بالعودة مجدداً إلى المسرح السياسي، وسيقوم الأصوليون بتأسيس حزب إصلاحي لا يحلق خارج السرب ولا يجيد السباحة خارج التيار، كما أن المستقبل السياسي في إيران سيبقى بيد الأصوليين، وأن هؤلاء لا يمكنهم العيش في سقف واحد بل ستختار كل فئة زعيماً يشترك مع الآخرين في ثوابت الثورة وولاية الفقيه، ويبقى القول إن حكومة الرئيس نجاد لا يمكن في الظرف الراهن تصنيفها في الخط الأصولي الذي تعودت عليه إيران، بل إنه خط أصولي بإشراف المرشد علي خامنئي .

ويساند تلك الجمعيات والكتل السياسية الأصولية حرس الثورة بكتائبه المسلحة وبمؤسساته الثقافية والاقتصادية وسيواصل الحرس مناورات مسلحة في إطار سياسة عرض العضلات في مياه الخليج وطرح المزيد من الأسلحة والمناورات، وفي البرنامج النووي ستواصل إيران مشروعها النووي بعد أن نجحت في الحصول على ضوء أخضر أمريكي أوروبي بالاستمرار بأنشطتها النووية .

ترى هل ستحقق إيران ما ذهبت إليه العرافة جمانة قبيسي، في توقعاتها للعام 2011 بزوال الإمبراطورية الأمريكية، التي ستعرف انهيارات كبيرة جداً وعلى جميع الصعد وهي ستكون السنة الأصعب عليها، أما إيران فستهز العالم لأنه يوجد لديها ما هو أهم بكثير مما يوجد لدى الولايات المتحدة، كما ستعلن إيران عن اكتشافات جديدة .

تلك كانت مقولات العرافة، وأما ما يجري على الأرض فهو متروك للقدر والتدبير الإنساني .