زهير قصيباتي


laquo;الفرصة الأخيرةraquo; التي منحتها قوى 8 آذار للرئيس سعد الحريري قبل ساعات من استقالة وزرائها وذهابه الى البيت الأبيض للقاء الرئيس باراك أوباما، لم تعنِ لدى غالبية اللبنانيين سوى تخييره بين قرارين: حزم حقائبه سريعاً والاعتذار للرئيس الأميركي عن عدم القدرة على لقائه، لأن أمراً داهماً يتطلب أن يوقّع في بيروت صك طلاق بين لبنان والمحكمة الدولية التي اعتبرتها المعارضة أميركية ndash; إسرائيلية... والقرار الآخر تجاهل ضغوط 8 آذار و laquo;إنذارهاraquo;، للقاء رئيس أكبر الدول الراعية لقرار إنشاء المحكمة، إنما بوصف الحريري رئيساً سابقاً للحكومة. بالتالي انتزاع ورقة الشرعية اللبنانية التي يمثّلها.

لبنان الى النفق مجدداً؟ ولكن هل أُخرج من النفق فعلاً، منذ وقِّع اتفاق الدوحة؟ وإذا صدقت تعهدات المعارضة بعدم استخدام السلاح مجدداً في الداخل، هل يمكنها ان تضمن تشكيل حكومة بديلة من حكومة الوحدة الوطنية، وإقناع إحدى الشخصيات السنّية بترؤسها، بل الأهم ضمان كسبها الثقة في مجلس النواب؟

إن أحداً لم يصدق، بعد نعي العماد ميشال عون المسعى السعودي ndash; السوري لرعاية حل بين اللبنانيين يحتوي تداعيات محتملة للقرار الظني الذي ستصدره المحكمة، أن لبننة الحل ndash; كما تريده المعارضة ndash; قادرة على تجاوز عنق الزجاجة في الأزمة التي تعطل معها مجلس الوزراء وطاولة الحوار الوطني. وبعدما ارتضى الجميع رفض التدويل، واستهلك تعريب رعاية الحل شهوراً، ليصطدم بما سمّاه رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط laquo;خللاً تقنياًraquo;، يصعب افتراض قدرة laquo;8 آذارraquo; على اجتراح laquo;معجزةraquo; لبننة كاملة لتسوية ترضي في آنٍ معسكري العدالة و laquo;إسقاط مؤامرة المحكمةraquo;.

وإن كانت المفارقة أن مجرد laquo;خلل تقنيraquo; يكاد يودي بلبنان الى جحيم الفوضى والمجهول الذي يعمّم نماذجه في المنطقة العربية، فالوجه الآخر لهذه المفارقة ان المعارضة المصرّة على استبعاد خطر أي فتنة ndash; كما تقول ndash; لم تر بأساً في إسقاط حكومة سعد الحريري الذي تشبثت به طويلاً، ليوقّع بنفسه تسوية الطلاق مع المحكمة.

هي إذاً، بداية مرحلة laquo;الإجراءات العملية الميدانيةraquo; التي ستنفذها 8 آذار، وعلى رأسها laquo;حزب اللهraquo;، لوقف تمويل المحكمة وسحب القضاة اللبنانيين منها، وطرد أي فريق تابع للجنة التحقيق الدولية المكلفة كشف ملابسات اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والاغتيالات الأخرى التي أغرقت لبنان في نفق دموي لشهور طويلة.

في المفهوم الغربي أو المصطلح الأميركي الذي يصنّف الدول laquo;مارقةraquo; إن لم تلتزم قرارات مجلس الأمن، هل يقوى لبنان على تحدي الشرعية الدولية التي يمثلها المجلس، خصوصاً الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي أُنشِئت المحكمة بموجبه؟ سؤال قديم ndash; جديد، لا بد أن الدولة ستواجهه، ولكن أي دولة؟ ألم يكن التحذير القطري، عشية الاستقالات الوزارية، رسالة موجهة الى كل الأطراف في لبنان، لئلا يُقدِم أي منها على ما من شأنه تغيير صيغة المؤسسات للتفرد بالحكم؟ أَوَليس تحذير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من تداعيات خطرة لفرط حكومة الرئيس سعد الحريري، جرس إنذار في ربع الساعة الأخير، لتدارك ما هو أسوأ بكثير من مجرد أزمة وزارية؟

قد يكون بعضهم استغرب استعجال دمشق إبلاغ المعارضة بما آلت إليه مساعي التفاهم السوري ndash; السعودي لرعاية الحل، بعدما ارتابت أطراف في إبقاء مذكرات التوقيف السورية في حق شخصيات لبنانية. وإن كان بعض قوى 14 آذار لا يتفهم الآن مقولة laquo;الشأن الداخلي اللبنانيraquo; التي ربما شجعت الطرف الآخر على استسهال نعي تسوية laquo;س. سraquo; وإطلاق مهلة laquo;الفرصة الأخيرةraquo; كي يدفن مجلس الوزراء التعاون مع المحكمة وفرق التحقيق، فآخرون من معسكر laquo;العدالة والحقيقة والاستقرارraquo; يذكّرون بـ laquo;نعي خامنئي المحكمةraquo; قبل أسابيع... وبأن laquo;الفرصة الأخيرةraquo; هي الورقة ذاتها التي تستخدمها طهران في مفاوضاتها المرتقبة مع الغرب في اسطنبول.

بمعادلة حسابية بسيطة، يتضح ان laquo;القوى الظلاميةraquo; التي اتهمها جنبلاط بعرقلة تسوية laquo;س. سraquo; هي أميركا لدى المعارضة اللبنانية التي حسمت خيارها لمصلحة laquo;الحسمraquo;. ولكن، هل يمكن ان يتحجّم فصل المواجهة مع المحكمة ورعاتها، الى مجرد 7 أيار جديد؟

رياح الفوضى في كل المنطقة تنذر بتسونامي، فحقبة تغيير الخرائط لم تعد مجرد احتمال لدى المتشائمين، وعواصف الفتن حزام يتمدد بصخب.