سمير منصور


في الشكل، تصرّف الجميع بشكل ديموقراطي دستوري، فاستقالة الوزراء في المبدأ حق ديموقراطي تقبله اولاً رئيس الحكومة نفسه. وفي المضمون كان الهدف إسقاط الحكومة، وهذا ما حصل، وبات الحديث عن مرحلة ما بعد استقالة الحكومة والاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة. ولولا انضمام احد الوزراء من quot;كتلةquot; رئيس الجمهورية في خطوة فاجأت الجميع (بمن فيهم الرئيس نفسه على ما تردد) لما اعتبرت الحكومة مستقيلة وفق الدستور (استقالة ثلث اعضائها + 1). ولن يمر وقت طويل قبل معرفة ملابسات هذه الخطوة وخلفياتها...
وربّ ضارة نافعة، فقد كان الخيار الآخر محاولة إسقاط الحكومة في الشارع، وهي خطوة غير محسوبة او مضمونة النتائج، ولاسيما اذا كانت من خلال تظاهرات شعبية وquot;استدعاءquot; اتحادات عمالية ونقابية الى التظاهر من اجل quot;الشؤون المعيشية للمواطنينquot;... وقد ثبت ومنذ سنوات بعيدة، ان اي تحرك عمالي او نقابي بات quot;غب الطلبquot; وخاضعاً للتجاذبات السياسية، في حين ان الشؤون المعيشية تعني كل الناس، اياً تكن انتماءاتهم السياسية فلا طائفة أو مذهب او حزب او منطقة للرغيف وللمحروقات!
وحتى الآن، تصرف الجميع بشكل حضاري. المعارضة انسحبت من الحكومة فجعلتها مستقيلة. ورئيس الحكومة ومعه الاكثرية النيابية اعتبرا الخطوة حقاً ديموقراطياً ودستورياً. وعلى المستوى الشعبي لا تظاهرات ابتهاج للمعارضة، ولا تظاهرات احتجاج للاكثرية. وهذا عمل حضاري، يسجل للجمهور ولمن يحركه.
وتبقى الانظار شاخصة الى الاستشارات النيابية الملزمة التي تبدأ غداً ويجريها رئيس الجمهورية بموجب الدستور لتسمية الرئيس الجديد للحكومة. ويبقى quot;البارومترquot; وليد جنبلاط اولاً مع كتلته النيابية. وquot;التجمع المستقلquot; في طرابلس (نجيب ميقاتي، محمد الصفدي، احمد كرامي، قاسم عبد العزيز) فإذا بقيت الاكثرية النيابية على حالها، فإن قرار تسمية رئيس الحكومة يبقى رهن قرار زعيمها سعد الحريري. وإذا تغيرت يصبح في يد quot;حزب اللهquot; وحلفائه في المعارضة. وفي الحالتين لن تكون سهلة، لا تسمية رئيس الحكومة ولا مهمة الرئيس المكلف. فهو وفق المعطيات الراهنة، يجب ان يأتي بناء على تفاهم بينه وبين من سيسمونه: من جهة المعارضة عليه الالتزام بشروطها وأولها وربما آخرها، فك عقد الحكومة اللبنانية مع المحكمة الدولية وسحب القضاة اللبنانيين ووقف المساهمة في تمويلها، ومن جهة الاكثرية عليه التزام السقف الذي حدده الرئيس الحريري وهو quot;التزام مقررات مؤتمر الحوار الوطني وقيام حكومة تلتزم مقتضيات الوفاق الوطني، وتغليب العقل على عوامل الاحتقان والتشنجquot;.
والمطلوب رئيس للحكومة يتوافق حوله الجميع، والمعارضة لم تضع quot;فيتوquot; على عودة الحريري بالمطلق، ولكن وفق التزام شروطها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع تسمية رئيس للحكومة لا يستطيع ان quot;يحملquot; شروطها، ولكي يكون كذلك، يفترض ان يكون مدعوماً من الاكثرية ومن الحريري شخصياً.
وبعيداً من الدخول في الاسماء والتفاصيل، ومعظمها يطرح في التداول كأوراق quot;محروقةquot;، فإن الاسماء المتداولة معروفة من الجميع، ولكن الرهان الابرز وربما الاول للمعارضة، يبقى، وفق مصادر قريبة من quot;حزب اللهquot; على الوزير السابق بهيج طبارة الذي quot;كان من اقرب الناس الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويحظى بتأييد المعارضة، ولم يقطع مع جزء اساسي من الاكثرية وتحديداً مع عائلة الحريريquot;. وينطبق الأمر كذلك على الرئيس عمر كرامي، وكذلك، وإن بنسب متفاوتة، على الرئيس نجيب ميقاتي وربما على الوزيرين محمد الصفدي وعدنان القصار، خلافاً لما هو حال آخرين يحظون بتأييد المعارضة ورفض من الاكثرية. وأما الرئيس سليم الحص الذي يحظى باحترام شديد من المعارضة وفي طليعتها quot;حزب اللهquot; وبتأييد، وإن نسبياً في الاكثرية، فيبرز اسمه دائماً ولاسيما في الأزمات، ولكن الأمر يعود اليه في النهاية ولظروفه.
وسط هذه الأجواء كان من البديهي ان تحسم الاكثرية أمرها وان تعلن تمسكها بإعادة تكليف الرئيس سعد الحريري، وقد بدأت الرد على منتقدي موقفها بالتذكير بموقف مماثل للمعارضة في انتخابات رئاسة مجلس النواب، واصرارها على اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري، عام 2005، وكذلك عام 2009، ناهيك بأن موقفها quot;هو الامر الطبيعيquot; وفق رئيس quot;كتلة المستقبلquot; النيابية الرئيس فؤاد السنيورة ونواب quot;الاكثريةquot;.
وإذا وصلت الامور الى طريق مسدود، فلن يكون المخرج إلا بحكومة quot;تكنوقراطquot; من خارج الاصطفافات السياسية، على غرار quot;حكومة الشبابquot; مطلع عهد الرئيس سليمان فرنجيه برئاسة الرئيس صائب سلام، او الحكومة الاولى للرئيس سليم الحص في عهد الرئيس الياس سركيس، أو على غرار معظم وزراء حكومة الحص في عهد الرئيس اميل لحود، لِمَ لا؟
وعلى رغم التطورات الدراماتيكية المتسارعة وما آلت اليه مساعي المظلة العربية، فإن اي رئيس للحكومة لن يكتب له النجاح في مهمته دون مباركة سورية ndash; سعودية، وبكل امتداداتها الاقليمية والدولية، وفي كل الحالات ووفق المعطيات والاصطفافات السياسية الراهنة، لا بد من دمشق... وإن طال السفر!