راجح الخوري

منذ اللحظة الاولى لقيام الرئيس سعد الحريري بزيارته الاولى الى سوريا ولقائه مع الرئيس بشار الاسد، كان هناك في بيروت من أصيب بما يشبه الاغماء السياسي، على خلفية ان ذلك الخيط المقطوع بين قريطم واستطرادا quot;14 آذارquot; يجب أن يظل مقطوعا، بما يساعد هؤلاء المتضررين على البقاء في موقع الوكلاء الحصريين لدمشق ونفوذها الحاسم في لبنان.
ومنذ ذلك الحين، وعلى امتداد الزيارات الخمس التي قام بها الحريري الى دمشق والتقى الرئيس السوري، وضعت في التداول العام في بيروت تسريبات وتصريحات وتحليلات وروايات وسيناريوات هدفها واحد، وهو القول إن الزجاج الذي كان مكسورا بين الأسد والحريري يبقى مكسورا.
وغالبا ما توسعت المخيلات في الاجتهاد لتربط هذا الامر بعرقلة في الاتصالات والتنسيق وتراجع في التفاهم بين سوريا والسعودية أو ما درج الرئيس نبيه بري على تسميته quot;س - سquot;.
ربما لأن دمشق لم تعلق لا نفيا ولا تأكيدا على هذا الطوفان من هذه الاخبار والفبركات المنسوبة غالبا الى مصادر سورية او الى زوار دمشق، تصور المتضررون من العلاقة بين الاسد والحريري، أن في وسعهم المضي في ضخ المياه العكرة بين الطرفين والاصطياد فيها ايضا.
كل هذا كان مفهوما عند الذين يعرفون طعم السياسة في بيروت. فاذا كان واضحا لماذا يمضي المتضررون في محاولة افشال العلاقة بين الحريري والاسد، فمن المفهوم ايضا ان سوريا دولة تقرر سياساتها ومواقفها، ولا تلتفت كثيرا الى مثل هذه التحليلات والتسريبات، وخصوصا اذا كانت في هذه الحال بالذات تنعكس ايجابيا عليها، إذ ربما تدفع الحريري الى البحث والاجتهاد أكثر فأكثر مما يحفظ الود الناشىء ويعمق الحرارة المستجدة مع الأسد.


***

بعد القمة الثلاثية أصيب المتضررون إياهم بصدمة تشبه الخيبة. ولكن مع صدور مذكرات التوقيف السورية استعادوا حماستهم رغم تأكيد الاسد أن المذكرات مسألة قضائية لا سياسية. ولكن بعد زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد الى لبنان جاءت القمة المفاجئة بين الاسد والملك عبدالله، لتعيد مشاعر الارتباك والاحباط والحيرة الى نفوس هؤلاء المتضررين، الذين وصلت بهم الحساسية من شعار quot;س - سquot; الى درجة أنهم لا يتحملون مثلا سماع اسم نبيه بري وإن لم يفصحوا!
الآن نحن أمام مرحلة جديدة من ضخ المياه العكرة بين الاسد والحريري، ولكن بطريقة مصطنعة ومستغربة وقد تسيء الى سوريا والرئيس الاسد بمقدار ما تسيء الى الحريري، وإن كانت كالعادة منسوبة الى المصادر السورية وزوار دمشق.
لم تعد القصة قصة معلومات فيها تفاصيل وافادات وبنود، بل صارت قصة اشارات رموش وتلاوين خدود ولغة عيون وما الى ذلك من سبر الاحاسيس والمشاعر ولو بالتبصير عن بعد، باعتبار أن الحديث عن هذه الامور يبرز في بيروت، بينما لا تجد دمشق طبعا أنها مضطرة الى تعيين متحدث رسمي، يقوم يوميا بتصويب كثير مما يقال في بيروت منسوبا اليها.


***

وهكذا عندما يقال إن الحريري يتوتر حين يزور دمشق وانه لا يوحي بالصدق ولا تبتسم عيناه (منذ متى تبتسم العيون؟) ويشحب وجهه ولا يشعر بأن سوريا بلده الثاني، وأن كل هذا واضح أمام الرئيس الاسد، ولا بد من تغيير الحريري في رئاسة الحكومة أو تغيير طاقمه الاستشاري، وأنه ممنوع عليه حتى التفكير في مطالبة سوريا بـطعن quot;حزب اللهquot;.
عندما يقال كل هذا منسوبا الى المصادر السورية، من الطبيعي ان تمتنع دمشق عن التعليق، وأن يستغرق الحريري في الضيق والاستغراب.
واذا كان مفهوما ان الرئيس الاسد، كان يتخصص في طب العيون، وهو ما أعطاه دقة شديدة في مقاربة الامور، فالمفهوم أكثر أنه الآن زعيم دولة مفصلية لها دور حيوي اقليميا، وأنه يعرف كيف يتعامل ومع من يتعامل بغض النظر عن لغة العيون وquot;ابتسامتهاquot; (!).
واذا كان المجتهدون في بيروت يجدون مشكلة في عيون الحريري فكيف الأمر مثلا بالنسبة الى خرم عيني المستر بان كي ndash; مون، او الى رهط من الزعماء تهدّلت جفونهم وغارت عيونهم من ورائها؟
ثم ان للرئيس الاسد آلاف العيون في بيروت، تستطيع أن تكتشف حقيقة عيون الحريري قبل أن يجتاز الحدود الى دمشق. أضف الى كل ذلك أن الحريري إنسان في النهاية تماما مثل الاسد. وإن تهيّب الموقف ومعناه عند زيارته الاولى الى دمشق، فإنه الآن، وقد دأب على تأكيد تمسكه وحرصه على أمتن وأعمق العلاقات السياسية والشخصية مع سوريا والرئيس الأسد، لا يصل به الطموح الى تخيل لافتات تستقبله في دمشق قائلة: quot;لعيونكquot;.
واذا كان التشويش على العلاقة بين الاسد والحريري لغة quot;النيات المخلصةquot; المستمرة، والتي تتصاعد بنسبة إحساس البعض بالضرر من هذه العلاقة، فان كل ما قيل في المحاولة المضحكة لتشخيص حال الحريري في دمشق، انما هو من التمنيات التي تدفع الاسد والحريري الى الغرق في الضحك وخصوصا بازاء الحديث عن تفكير الحريري بمطالبة الأسد بطعن quot;حزب اللهquot;.
ولوووو؟!