إياد أبو شقرا


laquo;الناس يكرهوننا.. لكننا لا نريد محبتهم.. بل خوفهم مناraquo;

(هاينريش هملر)

بين لبنان وتونس قواسم مشتركة عديدة.. أقدمها التاريخ المشترك في العصور الغابرة بين الدول - المدن الفينيقية على الساحل اللبناني وlaquo;ابنتهاraquo; قرطاجة (قرطاج) درة شمال أفريقيا، التي أسستها إليسار أو (ديدون) ابنة ملك صور الفينيقية.

ثم إن كلا الكيانين كان مركز تنوير وثقافة إقليميا مهما، فلبنان - بحدوده الحالية - زها بمدرسة الحقوق الرومانية وإرث الإمام الأوزاعي وأقدم جامعتين أجنبيتين معاصرتين عرفهما العالم العربي، وتونس التي حملت اسمها الروماني القارة الأفريقية كلها، هي مهد الزيتونة - ثالث منائر العلم في غرب العالم الإسلامي، إلى جانب القرويين في فاس، والأزهر في القاهرة - ومعها مكانة القيروان وعبقرية ابن خلدون.

والكيانان كانا في النصف الثاني من القرن العشرين في طليعة الأقطار العربية المنفتحة على الغرب، ذات التوجهات الاجتماعية والاقتصادية الليبرالية. ثم إن كليهما سقط خلال العقود الثلاثة الأخيرة في قبضة laquo;الدولة البوليسيةraquo; القمعية، وفي الحالتين أسقطت laquo;الدولة البوليسيةraquo; انتفاضة شعبية عارمة وشجاعة.

ولكن هنا، لا بد من القول لدى النظر إلى ما آلت إليه التجربة اللبنانية، ولا سيما خلال الأيام القليلة الماضية، إن العالم العربي بأسره يرجو من صميم القلب أن تحافظ تونس على روعة انتفاضتها ونقائها عبر بناء جبهة وطنية عريضة تتحرك باتجاه بناء laquo;دولة مؤسساتraquo; تقوم على حكم القانون وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان ومبادئ المواطن. وإذا قيض لهذا الإنجاز أن يتحقق.. عندها فقط نستطيع القول إن فجر مجتمع عربي جديد أخذ ينبلج حقا.

التجربة اللبنانية، التي انحدرت في الأسبوع الماضي إلى درك سحيق مع الانقلاب الذي نفذه حزب الله مع أتباعه وأتباع حلفائه الإقليميين، يجب أن تكون تحذيرا لإخوتنا في تونس من مخاطر نزعات الاستئثار والهيمنة وتهميش الآخرين بقوة السلاح والتآمر على ثورة شعب أعزل في وجه الظلم والفساد.

في فبراير (شباط) 2005 كانت ثورة اللبنانيين سلمية ونقية، إلا أن أعداءها سرعان ما نجحوا في امتصاص الصدمة، وباشروا التصدي لها خلال شهر واحد من اندلاعها. وها هم اليوم، بعد أشهر من القضم والهضم والتهديد والوعيد، قد نفذوا - مستفيدين من تغير أولويات واشنطن وباريس - انقلابا يهدف ليس إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فحسب، بل حقا إلى الهيمنة على مقدرات البلاد بقوة السلاح والدعم الإقليمي المباشر.

العالم العربي اليوم في أمس الحاجة إلى نجاح الثورة الشعبية التونسية، وبالقدر نفسه، الحذر من مخاطر الانقلابات الفاشية عليها.. كما حصل في لبنان. أما بالنسبة إلى موقف المجتمع الدولي، فعلى العقلاء منا ألا يتوهموا كثيرا بأن مصائر شعوبنا تعني له الكثير، وبالتالي، ألا يبالغوا في الرهان عليه.

لقد عايشنا السكوت الغربي الطويل على ممارسات الحكم التونسي المخلوع. واليوم يرصد اللبنانيون بقلق بالغ العبثية والنفاق الفاقع في التعامل مع انقلاب حزب الله والقوى الإقليمية التي خططت له ونسقت عملية تنفيذه ووضعت عليه لمستها النهائية على الرغم من أنه كان منتظرا. فالتقارير الواردة من واشنطن وباريس، وما يحكى عن التحركات المتصلة بوضع لبنان اليوم، لا تبشر بأن ثمة رسائل جدية مرسلة laquo;إلى ما يهمه الأمرraquo;.. بل إن مجرد تفكير واشنطن في laquo;تفويضraquo; باريس مجددا بإيجاد صيغة laquo;حواريةraquo; في لبنان، يعني أن لا مقاربة حقيقية للأزمة، وأن واشنطن ماضية قدما في تنفيذ مشروع تقاسم منطقة الشرق الأدنى بين طهران وتل أبيب.. اللهم إلا إذا laquo;لحقتraquo; أنقرة نفسها في اللحظة الأخيرة وقررت أن تكون laquo;حامية السنةraquo; في وجه التمدد الإيراني المتسارع.

السيد حسن نصر الله، بطل الانقلاب الجديد - القديم، حتما زعيم لامع ومفوه، وهو الزعيم الأول اليوم على الساحة اللبنانية. إلا أن أحدا من العارفين لا يشك بأنه ليس صاحب القرار النهائي. فالقرار النهائي في لبنان الآن لـlaquo;الولي الفقيهraquo; الإمام آية الله علي خامنئي. وكل ما قاله السيد بالأمس وسيقوله مستقبلا.. ضرب من ضروب laquo;العلاقات العامةraquo; التي باتت مكشوفة. بل غدا إصرار laquo;الحزبraquo; على الوقوف خلف واجهة رثة من مستوى laquo;التيار العونيraquo; ومن لف لفه من شراذم وlaquo;تياراتraquo; وlaquo;تجمعاتraquo; اصطنعها الحزب ويواصل تمويلها وحمايتها أمنيا وانتخابيا.. ممارسة كاريكاتيرية بائسة الإنتاج والإخراج.