سعد محيو

هل تُنهي ثورة تونس ldquo;الاستثناء العربيrdquo; في الإجماع الغربي الذي يعتبر أن مبادئ الثورات الديمقراطية التي اجتاحت العالم في التسعينات، لا تنطبق على الشعوب العربية؟

لا يبدو أن الأمر كذلك . ليس حتى الآن على الأقل .

فقد احتاج الأمر 22 يوماً من الاضطرابات الشعبية العنيفة في شوارع تونس، قبل أن يستفيق البيت الأبيض الأمريكي على أن ثمة ثورة ملوّنة حقيقية في العالم العربي تفوح منها رائحة الياسمين . هذا في حين بقيت الحكومة الفرنسية حتى الرمق الأخير داعمة ومؤيدة ومساندة للرئيس زين العابدين بن علي، إلى درجة أن وزيراً فرنسياً اقترح إرسال ldquo;قوات مكافحة شغبrdquo; فرنسية إلى تونس لقمع المتظاهرين .

المبرر الدائم الذي كان الأمريكيون والأوروبيون يسوقونه لإضفائهم سمة القداسة على فكرة ldquo;الاستثناء العربيrdquo;، هو أن البديل عن الأنظمة الأوتوقراطية والسلطوية العربية ليس القوى الديمقراطية والليبرالية، بل الراديكالية الإسلامية التي تُكِن كل العداء للغرب ثقافة وحضارة ومصالح .

بيد أن تجارب التاريخ تؤكد أن الدول الغربية كانت تبحث دائماً عن تبرير ما لخنق التفتح الديمقراطي في المنطقة العربية . ففي أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، كان الأنجليز والفرنسيون يُجهضون التطور الطبيعي للسياسات الدستورية والديمقراطية في المستعمرات العربية التي اقتطعوها من جسم الدولة العثمانية، بذريعة أن هذا يخدم مصالحهم في مستعمراتهم الباقية في الهند وآسيا وإفريقيا .

وفي العصر الأمريكي الذي تلا الحقبة الاستعمارية الأوروبية، كان التبرير في البداية هو حماية خطوط النفط وrdquo;إسرائيلrdquo; ضد طموحات القومية العربية، ثم ما لبث أن أصبح، بعد إلحاق الهزيمة بالمشروع القومي العربي، مجابهة ldquo;الخطر الإسلاميrdquo; .

ثورة تونس أطاحت كل هذه التبريرات دفعة واحدة . فلا القوميون العرب ظهروا في التظاهرات الشعبية، ولا الإسلاميون قادوها . من نزل إلى الشارع كان جيل تونسي شاب يُطالب ببساطة بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ويدعو إلى وقف القمع والإرهاب الأمني والفساد المستشري في الدولة .

هذا التطور المفاجئ أربك الأوروبيين كما الأمريكيين . فأي تبرير بعد يمكن أن يسوقوه لحجب الحقوق الديمقراطية عن الشعوب العربية؟ وأي حجة يمكن أن يقدموها لتبرير دعمهم ldquo;الأبديrdquo; للأنظمة السلطوية ؟

قد يقال هنا أن الرئيس الأمريكي أوباما على الأقل وقف بقوة وحزم إلى جانب ثورة الياسمين . وهذا صحيح . لكن الصحيح أيضاً أن هذا ليس مؤشراً كافياً على أن الولايات المتحدة قررت إسقاط ldquo;الاستثناء العربيrdquo; من أجندتها الفكرية والسياسية .

الدليل؟ لنقرأ معاً هذا النص الذي نشره ldquo;مجلس العلاقات الخارجيةrdquo; الأمريكي (14 يناير/ كانون الثاني الحالي):

ldquo;تونس حليف مهم لكنه ثانوي للولايات المتحدة في إفريقيا الشمالية، لأنه لاتوجد لها فيه مصالح استراتيجية . ولذا كان من السهل على واشنطن أن تُصفّق بحماسة لشجاعة وكرامة الشعب التونسي . لكن، من المشكوك فيه أن تتخذ إدارة أوباما الموقف نفسه إذا ما حدثت اضطرابات سياسية في دول أخرى حيث لواشنطن مصالح حيويةrdquo; .

ماذا يعني ذلك؟

إنه يعني أن ldquo;الاستثناء العربيrdquo; لمّا يلفظ أنفاسه بعد في الغرب، وهذا سيُرتب على الشعوب العربية مهمة القيام بإزهاق روح هذا الاستثناء بأيديهم وتضحياتهم . فما أُخذ من هذه الشعوب بقوة التحالف الغربي السلطوي، لا يسترد بغير القوة، كما أثبتت ثورة الياسمين .