سركيس نعوم

لم يكن زعيم quot;التيار الوطني الحرquot; ميشال عون عدائياً حيال الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، رغم انه وجّه اليه، في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء اجتماع كتلته النيابية، دعوة الى البقاء في quot;الموقع الصحquot; بعد تخليه عن quot;الموقع الخطأquot;، أي الى تبني موقف المعارضة بكليتها في الاستشارات وإن كان رفض إعادة زعيم quot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. علماً انه ارفق دعوته بنصيحة اعتبرها البعض تحذيراً تفيد ان تجنب quot;الاصطدامquot; الذي نجح فيه بانقلابه على ذاته بعد 7 أيار 2008 لا يستمر الا في حال استمر الانقلاب.
هل كان يعكس quot;الجنرالquot; ميشال عون، وقبل اقل من 24 ساعة من الاستشارات النيابية (قبل ارجائها)، قلقه وحده من أن يقدم جنبلاط على quot;قسمةquot; نوابه الحزبيين وغير الحزبيين على 8 و14 آذار فيتسبب بتساوي الرئيس الحريري ومرشح المعارضة في عدد الاصوات المسمَّية كلاً منها لتأليف الحكومة الجديدة؟ ام كان يعكس قلق اطراف المعارضة كلهم وفي مقدمهم قائدها quot;حزب اللهquot;؟ طبعاً لا جواب جازماً عن هذين السؤالين، لكن الحركة الجنبلاطية، حتى قبل اندلاع الازمة الحكومية الراهنة، لم تكن توحي الثقة التامة للمعارضين. وللإنصاف لا بد من القول ان الحركة الجنبلاطية لم توح سواء قبل اسقاط الحكومة او بعده الثقة أيضاً لفريق الموالاة الذي يتزعمه الرئيس سعد الحريري، رغم انها كانت توحي على ما تناهى الى الاخير معلومات تؤكد ان جنبلاط يسعى بكل قوة لإحياء quot;السين ndash; سينquot;، ولاعادة الحريري على رأس الحكومة الجديدة، ولإرضاء المعارضة بل قائدها quot;حزب اللهquot; بالمواقف من المحكمة الدولية وكل تفرعاتها. ولعل السبب الأبرز لعدم ايحاء الحركة الجنبلاطية بالثقة لحلفاء الامس معرفة هؤلاء بأنه يتصرّف وفي اوقات الشدة والحشرة انطلاقاً من quot;غريزة البقاءquot;. وهذه الغريزة تفرض عليه تحالفاً نهائياً مع الحزب وحلفائه ومع ايران ومع سوريا رغم ان مكنونات قلبه والسرائر قد تكون من طبيعة مختلفة. إلا ان حلفاء الأمس هؤلاء كانوا يمنّون النفس باستمرار الزعيم الدرزي الابرز في صفوفهم، او على الاقل بعدم التسبب بهزيمة زعيمهم سعد الحريري. اولاً، احتراماً منه لذكرى والده الشهيد رفيق الحريري ولذكرى الشهداء الآخرين. وثانياً، احتراماً منه لعلاقته الجيدة وربما المميزة مع المملكة العربية السعودية. وهي علاقة quot;مُجزيةquot; على كل الصعد. علماً ان اخفاقها (أي المملكة) في مسعاها مع سوريا quot;لفرضquot; تسوية اعتبرت أنها quot;لا تميت الذئب ولا تفني الغنمquot;، في حين اعتبرها آخرون استسلاماً لسوريا وحليفها quot;حزب اللهquot; ومؤسسته ايران الاسلامية، علماً ان هذا الاخفاق ربما يدفعها الى نفض يدها من لبنان كما فعلت اكثر من مرة في السابق. ومن شأن هذا الامر دفع وليد بك الى احضان دمشق وطهران نهائياً.
في اي حال واياً تكن التعليقات على حركة الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط فان الإنصاف يقتضي الاشارة الى انه يحاول، ومن موقع وسطي مائل الى 8 آذار، المساعدة في حل ازمة يمكن ان يولع استمرارُها حرباً اهلية. ويقتضي الاشارة ايضاً الى انه يحاول المحافظة على صديقه او ابن صديقه الشهيد. علماً انه يحاول ايضاً، وهذا امر يجب ان لا ينكره احد عليه، حقن الدماء. فهذا الرجل الدموي والصلب الذي لا يتورع عن شيء بغية الفوز او البقاء لا تزال شجاعته فيه. لكنه ادرك وبعد تقلّباته وانقلاباته الكثيرة، كما تقلبات من سبقوه داخل طائفته او خارجها، ان الدم كان دائماً لبنانياً، وان ثمنه كان يقبضه دائماً الخارج عدواً كان او صديقاً او شقيقاً او حليفاً. اذ بدلاً من ان يُرسِّخ هذا الدم لبنان المستقل والسيد والديموقراطي والعيش المشترك والمساواة كان يُقوِّض كل المسلمات الوطنية. كما كان يُعبِّد الطريق امام كل انواع الاحتلالات والوصايات والارتهانات والارتكابات.
تكلمنا عن quot;الحركة الجنبلاطيةquot; الاخيرة كثيراً. لكن ما هي هذه الحركة تفصيلاً؟
المعلومات المتوافرة عند عدد من متابعي وليد بك بل من متابعي لبنان بأجنحته وانقساماته وتبعياته ومداخلات الخارج فيه، تشير الى انه عندما التقى السيد حسن نصر الله اخيراً تخوّف امامه صراحة من احتمالات الفتنة المذهبية، ودعاه الى مساعدته في وأدها في مهدها. واقترح عليه امرين. الاول، قبول المعارضة اعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة الجديدة. والثاني، الحصول من الحريري واثناء التأليف الذي قد يستغرق اشهراً مواقف ثابتة، ومع ضمانات متنوعة اكيدة، من المحكمة الدولية والقرار الاتهامي وشهود الزور وكل ما يتعلق بها. والحصول منه ايضاً ومن خلال حكومة تصريف الاعمال على ضمانات ثابتة مثل وجود حلفاء له او افراد من حزبه على رأس عدد من المواقع المهمة الاساسية بل والاستراتيجية. طبعاً طالت المناقشة حول هذا الموضوع. وبدا لوليد بك ان ازمة الثقة بالحريري عند quot;السيدquot; عميقة. لكنه في النهاية لم يقل نعم لاقتراحه ولا كلا، بل دعاه الى التشاور مع quot;الاخوة السوريينquot; في هذا الموضوع. وفي ضوء النتائج يمكن اتخاذ المواقف النهائية.
طبعاً زار جنبلاط، كما هو معروف، العاصمة السورية وتحدث في الموضوع طويلاً مع مساعد نائب رئيس الجمهورية محمد ناصيف، وبعمق مع الرئيس بشار الاسد. استمع اليه الاخير بعناية وانتباه، علماً انه كان اطلع من ناصيف على جوهر حديثه. لكنه لم يقطع بأي موقف. وعلّق في النهاية بالقول ان الازمة الحكومية شأن لبناني، ودعا جنبلاط واللبنانيين الى العمل لحلها وسوريا على استعداد للمساعدة. اي لم quot;يتورطquot; quot;الثعلبquot; السوري الشاب مع زعيم لبناني كبير. مثلما لم يتورط في الأشهر السابقة مع الفصيل اللبناني الاكبر والاقوى عندما كان يبحث قياديوه معه في quot;الحسمquot; الذي تأخر كثيراً في رأيه. ويعرف عارفوه انه لن يتورط مع اي لبناني في موقف مباشر. لكن ذلك لا يعني انه لن يعمل. وعمله كان اللقاء في قمة ثلاثية مع رئيس وزراء تركيا وامير قطر الاثنين. فلننتظر لنرى ماذا ستكون حصيلتها، وماذا ستكون حصيلة مجموعة الاتصال الاقليمية التي اقترحها رئيس وزراء تركيا او بالأحرى مصيرها باعتبار ان موافقة سوريا عليها تسمح بولادتها، وعدمها ينهيها قبل ان تولد. ولننتظر ماذا يحصل ايضاً لاقتراح ساركوزي رئيس فرنسا تشكيل مجموعة اتصال دولية سباعية لمساعدة لبنان.