عبدالله اسكندر


أكدت استقالة وزراء laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه من الحكومة اللبنانية ان التطابق السوري - الايراني ما زال كاملاً في بلد الارز، وأن كل الجهود التي بذلتها دول عربية وغربية لفك هذا التطابق باءت بالفشل. وعلى المستوى السياسي المباشر، وفي ظل عدم القدرة حتى الآن على قلب الطاولة على الجميع او عدم الرغبة بذلك، يظل التعطيل لمؤسسات الدولة السبيل لترجمة هذا التطابق في الاستراتيجية المتبعة ازاء لبنان. ومنها الاستقالة من الحكومة.

ولهذه الاستقالة قصة خاصة في لبنان. فهي لا تعني، كما في اي بلد في العالم، الخروج من الحكومة والتحول الى معارضة، والسعي الى اطاحتها من خارج عبر انتخابات. الاستقالة في لبنان تعني تعطيل الحكومة والتمسك بالمناصب الوزارية، اي الاستمرار في الحكم حتى بعد الاستقالة. وهذا ما جرى مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، تعطيلاً واستقالة ومحاصرة المقر الحكومي، لكن الوزراء المستقيلين ظلوا يداومون في وزاراتهم لتسيير الاعمال التي تهمهم ويتقاضون رواتبهم الوزارية.

واذا كانت الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري استهدفت ارغامه على تبني مطالب للمعارضة، فهي استهدفت في الوقت نفسه فرض هذه المطالب على الحكومة العتيدة التي لن يكون تشكيلها سهلاً، بفعل توزع القوى البرلمانية وتعارضها ازاء هذه المطالب. فيكون لبنان امام ازمة مديدة، سياسية واجتماعية وطائفية.

وحتى لو تمكن laquo;حزب اللهraquo; من تجميع غالبية نيابية ليفرض رئيساً للحكومة من حلفائه عبر الاستشارات الملزمة التي تبدأ غداً، فإن الازمة لن تكون اقل حدة. لا بل ستكون اكثر خطراً ما دام المستهدف منها زعيم السُنّة في لبنان.

اذاً، المأزق كامل في لبنان: الحريري والقوى المتحالفة معه لا تستطيع ان تعلن تخليها عن المحكمة الدولية، laquo;حزب اللهraquo; والقوى المتحالفة لا تستطيع القبول بهذه المحكمة. علماً ان الموقف الرسمي اللبناني، بحسب مقررات مؤتمر الحوار والبيانات الوزارية، يدعم هذه المحكمة.

والخروج المفترض من المأزق، اذاً، هو تغيير هذا الموقف الرسمي من داخل المؤسسات، الامر الذي لم ينجح حتى الآن من داخل الاطر السياسية. ولذلك كانت الاستقالة، أملاً بإحداثه عبر الحكومة العتيدة.

لكن حتى في حال تمكن laquo;حزب اللهraquo; من اجتذاب ما يكفي من كتلة وليد جنبلاط لضمان الغالبية، فإن هدف الغاء المحكمة يظل بعيد المنال، نظراً الى طبيعتها والقوى الدولية والعربية الداعمة لها. وكل ما يمكن ان تؤدي اليه صيغة رسمية لبنانية لالغاء المحكمة هو انفجار مواجهة طائفية وفتنة سُنية - شيعية، لن يكون سهلاً تجاوزها في المستقبل المنظور. ولن يكون في مقدور laquo;حزب اللهraquo; ان يدير مثل هذا الانفجار، في ظل ميزان القوى الداخلي الحالي. وسيكون عليه، كما هدد كثر من مسؤوليه، اللجوء الى حسم داخلي، ستنتج منه بالضرورة اعادة تشكيل السلطة في لبنان، والإمساك بكل مؤسساتها على نحو لا تهدده اية انتخابات مستقبلاً او اي تغير في المزاج العام. أما أعلن الحزب انه كان مجبراً على استخدام السلاح في 7 ايار دفاعاً عن نفسه؟ لكن النتيجة كانت اتفاق الدوحة الذي اخذ منه حق تعطيل الحكومة، وهو حق استخدمه كما رأينا من اجل الغاء المحكمة الدولية، من دون ان يلتزم ببند عدم الاستقالة او عدم التهديد بالقوة.

وهذا هو جوهر التطابق السوري - الايراني ازاء لبنان، فاستقراره ينبغي ان يكون على النمطين السوري والايراني، عبر الامساك بالسلطة كاملاً وعبر افتراض تأييد شعبي كاسح لهذا الامساك.

وهذا هو الجوهر الذي أفشل المسعى السوري - السعودي، اذ اعتبر ان المطلوب من الحريري وحلفائه التخلي عن المحكمة، كبند وحيد في الصفقة، وتجاهل الشق المتعلق بطبيعة السلطة والعلاقة مع مؤسسات الدولة.