خيرالله خيرالله


شئنا أم ابينا، لا بدّ من الاعتراف ان لبنان دخل ازمة سياسية عميقة تجعل من تشكيل حكومة جديدة من رابع المستحيلات في الاشهر المقبلة. اللهم الاّ اذا قرر laquo;حزب اللهraquo; تشكيل حكومة بقوة السلاح عن طريق جمع اكثرية نيابية حول شخصية سنية تافهة مستعدة للخروج عن شبه الاجماع الوطني. انه يكرر بذلك تجربة قطاع غزة والانقلاب الذي نفّذته laquo;حماسraquo; هناك بدعم ايراني منتصف العام 2007. هل لبنان غزة وهل يمكن تطبيق نموذج غزة في لبنان؟ ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه في ضوء تطورات الايام القليلة الماضية.
يمكن قول هذا الكلام والخروج بمثل هذا النوع من الاستنتاجات بعدما سحب laquo;حزب اللهraquo; وزراءه من الحكومة اللبنانية. اصبحت الحكومة في حكم المستقيلة وتحولت بالتالي الى حكومة لتصريف الاعمال. الوزراء الذين استقالوا من الحكومة، باستثناء اثنين منهم، ليسوا اعضاء رسميين في الحزب اللبناني التابع لايران. لكنهم في الواقع توابع للحزب لا اكثر. بين هؤلاء عدد لا بأس به من وزراء النائب المسيحي ميشال عون الذي يحتاج الى اصوات الحزب كي ينجح في الانتخابات النيابية ويصبح نائبا عن قضاء كسروان... ويتحول بقدرة قادر الى زعيم لكتلة نيابية في مجلس النواب. لا يوجد نائب واحد في تلك الكتلة قادر على الوصول الى المجلس من دون اصوات laquo;حزب اللهraquo; الذي يمرّ حاليا في ازمة عميقة.
لعلّ استقالة فريق الثلث المعطل في الحكومة، التي كان اسمها يوما laquo;حكومة وحدة وطنيةraquo;، افضل تعبير عن الازمة المتعددة الجانب لـlaquo;حزب اللهraquo; الذي بات عليه ممارسة لعبة الهروب المستمر الى الأمام خوفا من القرار الظني او الاتهامي المتوقع صدوره عن المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لم يكن امام الحزب سوى جرّ التابعين له او ادواته الى سحب وزرائهم من الحكومة لتأكيد انه على استعداد للذهاب بعيدا في تصديه للمحكمة الدولية. في النهاية، يمتلك الحزب ميليشيا مسلحة قادرة على السيطرة على كل لبنان بالقوة. الاهم من ذلك انه يمتلك ادوات طيعة من مستوى النائب ميشال عون الذي لم يتقن يوما سوى لعب الدور المرسوم له المتمثل في تخريب المؤسسات اللبنانية وتعطيلها وتهجير ما بقي من المسيحيين من الوطن الصغير الذي اسمه لبنان.
اخذ laquo;حزب اللهraquo; الطائفة الشيعية الكريمة رهينة وعليه الآن، جعل ازمته laquo;ازمة وطنraquo; بعدما بدأ كثيرون من ابناء الطائفة يسألونه الى اين تأخذنا؟ اصلا لا جواب لدى الحزب على مثل هذا السؤال، الجواب في طهران التي هي مرجعية الحزب. ولذلك، ليس امامه سوى تحويل ازمته المتجذرة الى ازمة كل لبنان وكل اللبنانيين.
دخل laquo;حزب اللهraquo;، عبر اعتراضه على المحكمة الدولية التي وافق عليها في الماضي، او على الاصح تظاهر بالموافقة عليها في جلسات الحوار الوطني في العام 2006 وفي البيان الوزاري للحكومة الحالية، في مواجهة مع المجتمع الدولي. انها مشكلة الحزب وليست مشكلة لبنان. انها مشكلة الحزب وليست مشكلة الشيعة في لبنان... او السنة او المسيحيين او الدروز. ولذلك، مهما افتعل من ازمات وزارية، لن يفيده ذلك في شيء. يستطيع استخدام ميشال عون واجبار وزرائه على الاستقالة مع غيرهم من التوابع. يستطيع ذلك لان وزراء عون ما كانوا ليصبحوا وزراء لولا تمتع كل منهم بصفتين متلازمتين هما ثقل الدم والفشل. صفة واحدة ليست كافية. كي تكون وزيرا او نائبا تابعا لتابع، عليك ان تكون فاشلا وثقيل الدم في الوقت ذاته. الاكيد ان التمتع بكمية لا بأس بها من الجهل، مضافة الى ثقل الدم والفشل طبعا، ستساعد اي تافه في ان يصبح وزيرا او نائبا في الكتلة العونية المحترمة!
يستطيع laquo;حزب اللهraquo; ايضا الضغط على وليد جنبلاط الزعيم الوطني، سابقا، والدرزي حاليا وذلك لاسباب مرتبطة بقدرة الحزب على تهجير الدروز من الجبل. لكنه لا يستطيع الضغط على المسيحيين ولا على اهل السنّة. اكثر من ذلك، ليس بعيدا اليوم الذي سينتفض فيه الشيعة ليقولوا انهم لن يرضخوا الى ما لا نهاية لثقافة الموت والتبعية وانهم عانوا ما فيه الكفاية من المتاجرة المستمرة بلبنان وجنوبه واهله خصوصا، وذلك منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 من القرن الماضي.
يبقى ان الازمة الكبرى لـlaquo;حزب اللهraquo; عائدة الى تمسكه بالاوهام. كان الحزب واهما حين اعتقد في اي لحظة من اللحظات ان اتفاقا بين السعودية وسورية كان يمكن ان يلغي المحكمة الدولية. ان اتفاقا بين الجانبين يمكن ان يلعب دورا مهما في توفير غطاء عربي لحماية السلم الاهلي في لبنان في حال تضمن البيان الاتهامي اسماء لاعضاء في الحزب لديهم علاقة ما بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. لبنان طلب قيام المحكمة الدولية التي اصبحت مرتبطة بمجلس الامن التابع للامم المتحدة. لبنان متمسك بالمحكمة الدولية لانها السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة ووضع حد لثقافة الاغتيالات التي ذهب ضحيتها اللبنانيون الشرفاء الذين يؤمنون بالعروبة الحقيقية الصادقة... وليس بالسلاح المذهبي الموجه الى صدور ابناء الشعب.
كان التمسك بالاوهام وراء اعتقاد laquo;حزب اللهraquo; ان السعودية وسورية قادرتان على تخليصه من المحكمة الدولية، علما ان سورية نفسها- سورية كنظام طبعا- معنية بالمحكمة بمقدار ما ان الحزب معني بها. ماذا فعل النظام السوري؟ تصرّف بحكمة ليس بعد حكمة عندما كلف مكتبا للمحاماة في لندن متابعة القضايا والمسائل المتعلقة به مع المحكمة الدولية... وترك الحزب يتصدى للمحكمة على الارض في لبنان!
يجد laquo;حزب اللهraquo; نفسه في وضع لا يسمح له سوى بالتصعيد. نعم اسقط الحكومة اللبنانية. ولكن ماذا بعد؟ هل يستطيع اجبار مجلس النواب على اعلان رفضه للمحكمة الدولية؟ ما هي الخيارات الاخرى التي يمتلكها؟ هل سيعطل الحياة في بيروت مجددا؟ هل يستخدم ميشال عون في خلق فتنة مسيحية- مسيحية او مسيحية - اسلامية؟ هل الحل بتحويل ازمته العميقة الى ازمة بحجم الوطن بكل طوائفه ومناطقه؟
الاكيد انه لا يمكن الاستخفاف بما يستطيع الحزب عمله، في ضوء الامكانات الكبيرة التي في متناوله والادوات الطيعة التي يتحكم بها. ولكن مرة اخرى ان الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على اسرائيل، مثلما ان الهروب المستمر الى امام لا يغني عن ضرورة مواجهة الحقيقة التي ستخرج يوما عن المحكمة الدولية!