علي يوسف المتروك


اندهش التونسيون كما اندهش العالم من سرعة انسحاب الرئيس المخلوع بن علي بتلك السرعة من تونس بعد ان حكمها بالحديد والنار والخديعة لثلاثة وعشرين عاما أو يزيد، فلم يكن هذا الرجل فاسدا في بداية حكمه، ولكنه مع مرور الوقت استمرأ التفرد في الحكم والدكتاتورية وتسرب اليه الفساد فصار غرضا للمفسدين والمنتفعين حتى اصبح رهينة في ايديهم.
في العادة لا يترك الطغاة والمستبدون كرسي الحكم والسلطة، بسهوله حتى يروا اليوم الذي فيه يوعدون وحتى يستنفدوا كافة السبل، للتشبث بالسلطة حتى آخر لحظة، ولكن صاحبنا بن علي قلب المعادلة وأطلق ساقيه للريح حتى دون ان يوقع صك التنازل الى رئيس وزرائه، وفر هاربا يبحث عن ملاذ آمن.
في آخر اطلالة لابن علي على شاشة التلفزيون التونسي قال للتونسيين وقد شعر بقرب نهايته: لقد خدعني المستشارون، وحجبوا عني الحقيقة. وتلك آفة الحاكم المستبد والمتفرد بقراراته حين يقع فريسةً سهلةً في ايدي مستشاريه من مقتنصي الفرص، وهم يحاولون ان يحجبوا عنه الحقائق، ويعزلوه عن الناس حتى لا يسمع ما لا يريدونه ان يسمعه، فيبقى الحاكم أو المسؤول أسيرا لنصائحهم ولا يكتشف أمرهم الا بعد فوات الأوان، فهو لا يسمع الا بآذانهم ولا يبصر الا بعيونهم، وحول هذا المعنى يلوم القرآن الكريم ويقرّع هذا النوع من الحكام ممن استولت عليهم الغفلة لعدم سماع شكوى الناس وقطع صلاته بهم وتلمس حاجاتهم فيقول: {وهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}، محمد/21.
ليس من الحق والعدل، بل ليس من أدنى درجات المنطق مقارنة النظام التونسي الدكتاتوري والقمعي المنبوذ بالنظام الكويتي المتجذر بالنفوس الذي كفل للمواطن حرية القول والعمل والعيش الكريم من المهد الى اللحد وحفظ كرامته على هذه الأرض المباركة ففي أحلك الظروف أثناء الاحتلال الصدامي الغاشم لم يتخل الكويتيون عن التمسك بنظامهم بل ضحوا بأرواحهم في سبيل ذلك، ولم يجد صدام كويتيا واحدا يتعاون معه في ادعاءاته المزعومة.
نعم هناك حراك سياسي ترتفع وتيرته عاليا بين الحين والآخر ضمن ما ارتضيناه من نهج ديموقراطي نختلف ونتفق حوله، وتلك ظاهرة صحية لا عيب فيها، نتعايش معها داخل اطار النظام متفقين أو مختلفين، ولم يدر بخلد أحد أو حتى بخياله التفكير خارج حدود هذا النظام فهو جزء لا يتجزأ من كيان هذا الوطن العزيز ومواطنيه متجذر في كيانهم ووجدانهم فلا يرتضون عنه بديلا.