باريس

توريث زعامة حزب quot;الجبهة الوطنيةquot; من جان ماري لوبن إلى ابنته، وعنوان المرحلة المقبلة في تونس، وواقع الشراكة الاقتصادية المتشابكة بين الولايات المتحدة والصين، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية.

زعامة quot;مارينquot;

ما زال تسلم مارين لوبن زعامة حزب quot;الجبهة الوطنيةquot; خلفاً لوالدها يستقطب اهتمام كُتاب افتتاحيات معظم الصحف الفرنسية، الوطنية والجهوية، على حد سواء. في افتتاحية quot;لالزاسquot; اعتبر الكاتب quot;باتريك فلوكيجرquot; أن عملية quot;التوريثquot; التي دبر فصولها زعيم quot;الجبهةquot; جان ماري لوبن (82 سنة)، لم تفاجئ أحداً لأنها تقليد معروف في أوساط أحزاب اليمين المتطرف، حيث تم تدبير الاستحقاق بشكل يمنع نائب لوبن من الفوز في الاقتراع الداخلي الحزبي. وبدلاً من رفيقه الحزبي القديم اختار لوبن ابنته لزعامة الحزب، في حين احتفظ لنفسه بمنصب الرئيس الشرفي، وهو ما يبقي له يداً في تحريك كافة شؤون quot;الجبهةquot; وخاصة منها ما يتعلق بشؤون جمع وتسيير الدعم المالي. وبعبارة أخرى فستبقى للوبن الأب يد في خزينة الحزب، ورجلان في ميدان التدخل في توجيه مساره. ومع أن واجهة الزعامة قد تبدو جديدة، إلا أن دكان لوبن ما زال مع ذلك يبيع ذات المنتجات السياسية والإيديولوجية المتطرفة القديمة، وفي خلفية الدكان طبعاً تسهر عينا الزعيم العجوز quot;المتقاعدquot; وتحرك كل شاردة وواردة. أما ابنته الزعيمة الجديدة مارين، فهي بمثابة مندوبة تسويق سياسي فقط، وإن كانت مهمتها في استمالة جمهور اليمين الكلاسيكي محفوفة بجميع مسببات الفشل الذريع. وفي افتتاحية ثانية كتبها quot;يان ماريكquot; في quot;ميدي ليبرquot; قال إن من عادة عائلة لوبن أن تعزم نفسها عنوة على موائد الفرنسيين وشاشاتهم في كل مرة تمر فيها البلاد بمصاعب اقتصادية، أو تواجه فيها تحديات سياسية. واليوم، على بعد 15 شهراً فقط من موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يتوقع من العائلة المثيرة للجدل أن تغير تكتيك الإثارة هذا الذي جربت أكثر من مرة فوائده الانتهازية السياسية. والسؤال المطروح اليوم بالنسبة للأحزاب التقليدية هو: هل يمكن اعتبار مارين لوبن أكثر خطورة بكثير من والدها؟ لو افترضنا أن في مقدورها إحداث قطيعة سياسية وطي بعض الصفحات الأكثر سوداوية في تراث الأب، الغائب الحاضر، أو أنها ستتحدث لغة سياسية من زمننا هذا، فمن الجائز جدّاً أن تكون الإجابة quot;نعمquot;. وهنا ستمثل خطراً جديّاً على اليمين الفرنسي الحاكم، حيث إن كل زيادة في جمهورها الناخب ستكون مقتطعة من جمهور حزب ساركوزي. بل إن ثمة استطلاعات رأي أجريت مؤخراً أعطتها نتائج ملفتة لو ترشحت لرئاسيات 2012. وهذا الهاجس تحديداً هو ما جعل أجراس الخطر تقرع الآن قوية في أوساط اليمين التقليدي الحاكم. وأخيراً ذهب كذلك الكاتب لوران جوفرين في افتتاحية صحيفة ليبراسيون إلى أن لليسار الفرنسي وإعلامه أيضاً دوراً ملحوظاً فيما تمكنت quot;الجبهة الوطنيةquot; من تحقيقه من مكاسب سياسية أقلها تصدرها لواجهة اهتمام الفرنسيين خلال الفترة الأخيرة. وأكثر من هذا نبه الكاتب إلى أن القضايا التي اشتغل عليها اليمين المتطرف، مثل الهم الأمني، وهموم الضاحية، لم يولها اليسار -قبل اليمين- ما تستحقه من اهتمام.

الأمل التونسي

تحت هذا العنوان استعرض الكاتب بيير روسلين في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو مفردات المشهد التونسي اليوم، بعد سقوط نظام بن علي، وفي ضوء استمرار احتجاجات وتداعيات ثورة الأسابيع الأربعة وما أعقبها من احتقان أمني، مشيراً إلى أن الأولوية الآن هي لاستعادة دورة الحياة الطبيعية، وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، لكون ذلك ضرورة وشرطاً لإنجاح مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. ولاشك أن مما زاد تعقيد الوضع عمل بعض المحسوبين على النظام السابق على تنفيذ سياسة الأرض المحروقة مراهنين بذلك على أن افتعال حالة رعب وعنف طليق يمكن أن يعزز موقفهم، ولكن الجيش أمسك بزمام المبادرة وجنب البلاد الوقوع في الفخ وفوت عليهم تلك الفرصة. واعتبر روسلين أن فرنسا قررت هي أيضاً تلافي أوجه نقص موقفها الدبلوماسي من المسألة التونسية، حيث استعادت بسرعة زمام المبادرة، حين اتخذت ردود فعل حاسمة كان أولها أخذ مسافة مناسبة من الرئيس المخلوع ومحيطه. وزادت على ذلك بقرار تجميد موجودات عائلة بن علي، في أبلغ تعبير على قرار باريس التعاطي بإيجابية مع الموقف، وأخذ الإرادة الشعبية التونسية على محمل الجد، واستقبالها بأحسن استقبال. والأمل، يقول الكاتب، أن تتمكن من نسج علاقات ثقة قوية مع الحكومة الجديدة. وهنا يتعين على فرنسا وأوروبا أن تهبّا معاً لمساعدة تونس الجديدة لضمان تحقق الأمل الديمقراطي الذي بزغ الآن على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وضمان ألا يلتف عليه أو يؤول إلى الإحباط. وعلى العكس من هذا الطرح انتقد الكاتب جان- بول بييرو في افتتاحية صحيفة quot;لومانيتيهquot; طريقة تعاطي الحكومة الفرنسية مع الأزمة التونسية مؤكداً أن باريس طالما تغاضت عن الممارسات التي أدت إلى هذه الثورة تحت يافطات مختلفة أكثرها وضوحاً وانكشافاً حجة تبني سياسة واقعية والحفاظ على المصالح الفرنسية. على أن هنالك مفارقة أخرى تستحق التسجيل، فبعد كل تلك الإشادات الدولية من قبل بارونات الرأسمالية العالمية بالاقتصاد التونسي في زمن الرئيس المخلوع، ها هي ذات المنظومة الرأسمالية تبادر بتخفيض تصنيف تونس بعد سقوط بن علي تحت دعاوى quot;حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي منذ التغيير غير المتوقع للنظامquot;. ويختم الكاتب قائلاً إن كل هذا مفهوم فعندما تكون المبادلات التجارية مع نظام مستبد جيدة، فعلى الخطابة الديمقراطية السلام.

العلاقات الأميركية- الصينية

اعتبرت افتتاحية لصحيفة لوموند أن زيارة الرئيس الصيني إلى الولايات المتحدة من 19 إلى 22 يناير الجاري إنما تؤكد على حقيقة جوهرية هي أن العلاقات الأميركية- الصينية باتت بدرجة من التشابك والتعقيد أصبح معها الاعتماد المتبادل بين الطرفين ضرورة حيوية لكل منهما، بل لتوازن النظام الاقتصادي العالمي كله. ومنذ زمن بعيد لم تجد أميركا نفسها مثلما تجدها اليوم في مواجهة قوة دولية كبرى تسعى لمضاهاتها في كافة المجالات: الاقتصادية، والعسكرية، والعلمية، والثقافية. وليس سرّاً أن قصة الصعود الاقتصادي الصيني هي المحرك الأول لتطلعات بكين الاستراتيجية على المسرح الدولي كله، وليس فقط في فضائها الإقليمي. ولاشك أن بزوغ صين غنية وقوية مسألة جيدة، تقول الصحيفة، وهذا ما يفسر طريقة تعامل أوباما مع الصعود الصيني، دون أن يعني ذلك عدم وجود أكثر من نقطة اختلاف، وأكثر من مظهر تصعيد بين بكين وواشنطن. وقد زاد اهتمام واشنطن خلال السنتين الماضيتين خاصة بالصين باعتبارها، في ذات الوقت، منافساً اقتصاديّاً وشريكاً تجاريّاً استثنائيّاً. ومنذ ذلك التاريخ تزداد أشكال الشراكة بين الطرفين قوة وتشابكاً. وتختم لوموند افتتاحيتها بالقول إن الطريقة التي قرأ بها أوباما صعود الصين، تبدو أكثر صلابة وذكاء، من القراءة الأوروبية، التي يتعين عليها استلهام روح القراءة الأميركية.

إعداد: حسن ولد المختار