شكلت الانتفاضة التونسية ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الحدثَ الأبرز في بداية السنة الجديدة، ولعلها laquo;حدث الألفيةraquo; كما يقول التونسيون اليوم بعد نجاح الخطوة الصعبة في ثورتهم. لكن laquo;الأصعب مازال أمامهمraquo;، على حدّ تعبير الكثيرين ممن التقتهم laquo;الحياةraquo; في المسيرات التي أعقبت رحيل بن علي.
لم تمر هذه الانتفاضة في صمت، بل شدّت إليها أنظار العالم، ويمكن القول laquo;ان الزمن توقف في تونس، وتحديداً عند الساعة الكبيرة في شارع الحبيب بورقيبة اكبر شوارع العاصمة التونسيةraquo;، كما قال المؤرخ عادل الثابتي، الذي أكد أن أسباب الانتفاضة عديدة، مثلما هي العناصر التي شاركت في صنعها. ويلفت الثابتي إلى أهمية الشبكة العنكبوتية والعالم الافتراضي في صنع هذه الانتفاضة. ويتفق جميع المراقبين مع هذا الرأي، الذي يذهب إلى أن أهم قيادات laquo;ثورة الياسمينraquo; كان موقع laquo;فيسبوكraquo; الإلكتروني الاجتماعي. وهذا ما يؤكده الطالب محمد الهادي، الذي حرم من مواصلة دراسته بسبب آرائه السياسية. فهو يرى ان الجهد الشبابي على laquo;فيسبوكraquo; تجاوز الخطاب السياسي لأحزاب المعارضة، وقفز بالانتفاضة إلى مرحلة متقدمة أنضجت الثورة.
ويشير محمد الى نوعية المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقر وزارة الداخلية في laquo;يوم النصرraquo; (يوم رحيل بن علي عن السلطة)، laquo;فهؤلاء صنعهم الفيسبوكraquo;، بحسب تعبيره. فهل كانت هذه الشبكة الالكترونية الاجتماعية فعلاً قيادة الثورة، وهل انفردت بها أم شاركتها في ذلك عناصر أخرى؟ وهل خيّب laquo;فيسبوكraquo; ظن الدكتور المنصف المرزوقي احد أبرز المعارضين للنظام التونسي السابق، حين عبّر في تصريح إعلامي الى موقع laquo;منصاتraquo;، أنّ ما يخشاه هو laquo;أن يستلطف المناضلون الجدد الـ laquo;فيسبوكraquo; لأنه يوفر عليهم خطر التلاقي كأفراد وكأجساد والعمل معاً في ساحة الواقعraquo;؟ سؤال أصبح مشروعاً طرْحُه في ظل ما صار يعرف داخل الأوساط السياسية والحقوقية في تونس بأن الـ laquo;فيسبوكraquo; هو الذي قاد الثورة الأخيرة.
ويرى متابعون أن laquo;فيسبوكraquo;، هذا الموقع الاجتماعي الذي استقطب في السنوات الأخيرة عشرات ملايين المستخدمين حول العالم، من بينهم أكثر من مليون مستخدم تونسي، شهد تحولاً في وظيفته من موقع للتواصل الاجتماعي وربط العلاقات والصداقات... إلى موقع إعلامي ينافس أهم القنوات الفضائية المشهود لها بالكفاءة، بل laquo;بات سلطة خامسة أمام حال انسداد الفضاءات الواقعية بعدما تحول إلى منبر للجدل الاجتماعيraquo;، بحسب تعبير الاستاذ الجامعي الأمين بوعزيزي، الذي يؤكد أن الـ laquo;فيسبوكraquo; لعب مع مجمل عناصر الثورة الاتصالية الحديثة دوراً مهماً في فك الحصار عن الانتفاضة التونسية عندما كانت في laquo;مربعها الأولraquo;. فبتغطيته المكثفة laquo;توسع أطلس الانتفاضةraquo;، كما يقول بوعزيزي. ولم تقتصر هذه التغطية، التي شكلت مصدر المعلومة لوسائل إعلام مهمة على الصعيد العربي، كـ laquo;الجزيرةraquo; مثلاً، على الـ laquo;فيسبوكraquo;، بل تعدتها إلى مواقع الكترونية عدة يشهد لها التونسيون بالفضل في تهيئة المناخ للثورة، بحسب تعبير الناشط السياسي في laquo;الحزب الديموقراطي التقدميraquo; محمود بارودي، الذي يرى انه laquo;على امتداد السنوات العشر الأخيرة، لم تكن المعلومة متيسّرة للتونسيين سوى عبر موقع laquo;نشرية تونسنيوزraquo; المحجوب في تونس، وكذلك موقع laquo;نواةraquo;، ليأتي بعدهما laquo;فيسبوكraquo; الذي استفاد من عملية الحجب الحكومي التي طاولته عام 2007 والقرار الرئاسي آنذاك بإعادة فتحه، وهو ما زاد من عدد شعبيته تونسياًraquo;.
في المقابل، يلفت بارودي إلى أن موقع laquo;تويترraquo; الإلكتروني لم يكن له دور كبير في تحريك الانتفاضة laquo;لكونه موقعاً نخبوياًraquo;، بحسب رأيه الذي يتفق مع رأي البوعزيزي، عازياً الأمر إلى laquo;عامل اللغة الانكليزية الغالبة على الموقعraquo;، وهذا ما قلل من شعبيته لدى غالبية التونسيين ذوي الثقافة الفرانكوفونية.
وينبّه بارودي إلى دور المدونات في الانتفاضة، كمدونة laquo;فاطمة اربيكاraquo;، التي أُوقفت بسبب التعليقات المنتقدة للحكومة، وأحدث إيقافها صدى كبيراً في الأوساط الإعلامية وعبر laquo;فيسبوكraquo;، ما أدى إلى تراجع السلطة والإفراج عنها. والأمر ذاته حدث مع مدونة الكاريكاتوري (z.)، الذي ساهم في انتقاد رموز السلطة برسوم كاريكاتورية شجعت الشباب على المساهمة في موجة الانتقادات، فمن laquo;المهم الإشارة إلى أن الانتفاضة الحالية اتسمت بكثرة عدد المدونين الذين تلاحقهم السلطات بالاعتقال وضرب المواقع ومصادرة أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم، بعدما أدركت خطورة دورهم في تغذية التمردraquo;.
وتقول الطالبة الجامعية خولة التواتي، إن الـ laquo;فيسبوكraquo; هو الذي جعلها في قلب الحدث، فعن طريقه كانت تسمع آخر التطورات ومن خلاله أيضاً استطاعت أن تشارك في فعاليات الانتفاضة في أيامها الأخيرة. وهذا ما يؤكده البوعزيزي، معتبراً أن laquo;فيسبوكraquo; كان موقع التقاء افتراضي إلى حدود الانتفاضة، لكن دعوات الالتقاء في أرض الواقع أصبحت تتم منذ الانتفاضة على صفحات الـ laquo;فيسبوكraquo; لتترجم في اليوم التالي على أرض الميدان.
وينسب وائل بوزيان (خريج جامعي وعاطل عن العمل)، 50 في المئة من عوامل نجاح الثورة في تونس إلى laquo;فيسبوكraquo;، مذكراً ببعض الصفحات الناشطة على الموقع، خصوصاً صفحة laquo;الشعب يحرق في روحو يا سيدي الرئيسraquo;، وهي صفحة - برأيه - استقطبت 80 في المئة من متصفحي الموقع الشباب الذين تداولوا على فضح انتهاكات النظام ونشر أخبار الانتفاضة. ويشير بوزيان إلى الدور الذي لعبه laquo;فيسبوكraquo; بالتحول في شعارات الشباب على صفحاتهم، laquo;ففي البداية لم تتجاوز الشعارات المطالَبةَ برفع الحجب والدعوة إلى تلبية المطالب الاجتماعية، لكن سرعان ما تحولت إلى المطالبة بإسقاط النظامraquo;.
أما الباحث في علم الاجتماع محسن المزليني، فيؤكد انه laquo;من خلال متابعة laquo;فيسبوكraquo; يمكن إدراك كيف يحوِّل المقموع من الوصول إلى المعلومة كلّ نافذة للتواصل إلى قناة توعية تعكس هواجسه وهمومه وطموحه وآلامه. وعلى رغم عدم انتماء 65 في المئة من المشتركين التونسيين إلى وجهة سياسية محدّدة، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعهم من الاهتمام بالشأن العام، والحرص على مواجهة ما يرونه دعاية مضلّلة بنشر ما يجدونه حقيقة. وبذلك تحوّل موقع الكتروني مثل laquo;فيسبوكraquo; إلى ما يشبه وكالة أنباء تتابع العاجل من الأخبارraquo;.
وكان laquo;فيسبوكraquo; لعب دوراً مهماً في تغطية تحركات الحوض المنجمي التي اندلعت في الجنوب التونسي عام 2008، عندما عرضت أكثر من مجموعة شريطاً مسجلاً (فيديو) لنشرة أخبار القناة الفرنسية الثالثة للمحاكمة. كما عرضت تسجيلاً لأحد التحركات الجماهيرية في الحوض المنجمي يظهر فيها عدنان الحاجي، أحد قيادات التحرّك، مخاطباً الجماهير قبل اعتقاله. كما تعددت المواقع الالكترونية مثل laquo;مدونة من أجل قفصة، وليكون الجميع على علم بما يجريraquo; (بالفرنسية) والذي ضمّ 1494 منخرطاً. أمّا أهم عناوينه فكانت: laquo;قوى تونسية تطالب بتدخل الرئيس لإطلاق سراح مساجين أحداث قفصةraquo; و laquo;أحكام جائرة وقاسية في محاكمة بلا استنطاق ولا مرافعاتraquo;. ووردت فيه قائمة بالأحكام التي صدرت على موقوفين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية، ووصفاً لمجريات جلسة المحاكمة. كما تكرّرت العناوين ذاتها تقريباً لدى مجموعة laquo;من أجل إطلاق سراح معتقلي الحوض المنجميraquo;.
وعليه، لم يكن هذا التحوّل في الوظائف من باب المصادفة، ذلك أنّ البحث عن الحقيقة، وإن كان نزعة متأصّلة في الإنسان، يزداد حدّة كلما أحسّ بمحاولة التلاعب بعقله وتضليله. ولا شك في أنّ الإعلام الرسمي تمادى في هذا الأمر إلى حدّ ملّ منه التونسيون، ما دفع الكثير من الشباب التونسي إلى العزوف عن متابعة القنوات الإعلامية الحكومية بنسب كبيرة جداً، بحسب ما كشف تقرير laquo;مرصد الشبابraquo; في هذا الشأن عام 2005.
- آخر تحديث :
التعليقات