علي الدباغ
مع تشكيل حكومة تضم كل الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات العراقية بعد ولادة عسيرة ومرهقة، كان القلق الأكبر عليها يأتي من المواطن العراقي، الذي كان يضع يده على قلبه، خوفا على تجربة تعمدت بالدم، ودفع جميع العراقيين أثمانا غالية، من أجل الوصول لمعادلة مقبولة بحدودها الدنيا من قبل الأطراف المتنافسة، التي أدركت بعد حين أنه لا اتفاق يمكن أن ينشأ خارج حدود العراق، وأن الأطراف الإقليمية، على قوة تأثيرها وفعلها في الداخل العراقي، لم تنجح، لا منفردة ولا متكتلة ولا بتبادل المصالح أو بصفقات سياسية فيما بينها، في أن تنشئ معادلة الحكم في العراق، وسعى كل طرف سياسي بما يمتلكه من علاقات إقليمية، وبما نشأ من ترابط مصالح وتفاهمات إقليمية وتدخلات لا تخفى على الجميع، وجاءت من جميع الجهات، لأن يستقوي بما يمكن الاستقواء به أو استعداء ما يمكن الاستعداء معه على الأطراف الأخرى. وفي النهاية لم ينجح الأمر إلا بجلوس كل الأطراف العراقية على طاولة الحوار، بعدما فعل الزمن فعله وأخذ التعب مأخذه من الجميع ونتج ما يسمى الآن بحكومة الشراكة الوطنية، ليحل محل حكومة الوحدة الوطنية، التي لم تعمل بما وصفت به، والأمل معقود الآن على أن تكون الشراكة فعلية وحقيقية في صناعة القرار وأن تنتهي حالات التذمر وإرسال الرسائل السلبية إلى الخارج بأن الحكومة يقودها مكون ينفرد بالحكم، مما شجع عمليات قتل منظم وسلب للحياة، تحت مسمع ومرأى الجميع في المنطقة، الأمر الذي لم يرف له جفن عن التدمير المنهجي للإنسان في العراق، على اعتبار أن الوضع السياسي في العراق لم يأخذ المباركة الإقليمية، وبالتالي فلا أحد يعطيه ذلك الاهتمام لكي يشتد عوده ويتعافى، بل أديرت له الظهور وصمت له الآذان.
ذلك ماض ذهب وانتهى، والآن نحن أمام مقاربة وحقيقة لا بد من إعادة قراءتها بصورة حكيمة وهادئة لكي لا تضيع فرصة تاريخية لمعادلة استقرار يطمئن لها الجميع في العراق والمنطقة الإقليمية ويطمئن لها البعيد أيضا. فعلى المستوى الداخلي لا يمكن أن ينفرد جزء بالاستحواذ على صنع القرار ولا يمكن لجزء أن يعطل الحياة السياسية، فالاختبار عسير الآن أمام الجميع، فما لم يتحقق الانسجام خلال السنوات الباقية من عمر الفترة النيابية الحالية، فستفتح أسئلة وفصول خطيرة لن يستفيد منها أي حريص على العراق. والعراق لم يعد مصدرا لقلق الدول العربية التي تخشى من تغلب مكون ينفرد بالحكم، وتصورت خطأ من كثرة ما نقل إليها أن الجار الإيراني سيحول العراق لمزرعة خلفية له، في رؤية تفتقر لقراءة التاريخ الذي أثبت فيه العراقيون أنهم شعب صعب المراس والانقياد والإذعان والقبول بمعادلة تسليم الأمر للآخرين، والعراق لم يعد مصدر قلق للإيرانيين، الذين أدركوا أن العراقيين، وعلى الرغم من وجود ما يقرب من 200 ألف أجنبي بين قوات نظامية وشركات حراسة من خلفيات مرتزقة وغياب وضع سياسي متماسك، لم يسمحوا بأن تستعمل أراضيهم وسماؤهم ومياههم لمهمات تتجاوز العراق مثلما تعمل القواعد العسكرية في المنطقة، والعراق لم يعد مصدر قلق للولايات المتحدة التي دفعت أثمانا لم تدفعها طيلة تاريخها من دم ومال وجهد، ولا أظن أن يجازف أي من قادتها مستقبلا بتكرار هذه التجربة، بل إن مصدر القلق يأتيها من غير العراق في تجارب عاثرة تعتبر فيها العراق أنجحها، والذي تجاوز فيها المراحل المقلقة للولايات المتحدة.
وكذلك لم يعد العراق مصدر قلق للدول العربية وجامعتها، التي تجتهد لأن تجمع العرب في بغداد إيذانا بعمل عربي مشترك مع العراق، بل إن مصادر القلق تأتي من السودان ولبنان وتونس وبلدان أخرى تحمل بذور القلق، وهناك فرصة تاريخية نتمنى، نحن في العراق، ألا تطول ليستعيد هذا البلد وضعه الصحيح وليس المشوه والمهووس بشعارات وقوة متورمة، بل عراق متصالح مع مكوناته ومحيطه وعنصر استقرار اقتصادي واعد لبلدان المنطقة التي يمكن أن تسحقها عجلات الأزمات الاقتصادية الخانقة، عراق يصنعه مواطنوه بمعادلة متصالحة يشترك فيها الجميع بهوية المواطنة التي تتجاوز كل الهويات الثانوية التي لن تكون بديلا، لأنها طوق النجاة لعراق موحد مستقر آمن.
* الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية
التعليقات