علي سويدان


مَنْ يصدِّقُ أن ثورة الياسمين في تونس كانت بسبب ضيق العيش أو الجوع! لسنا نقلِّلُ من عزيمة الشعب التونسي ولسنا نساعدُ على تكميم الأفواه، فالغلاء والاستغلال وضيق العيش يفعل أكثر مما حدث، ولكن علينا أن نعي أنَّ الشعب التونسي صبر على الضيق والتضييق أعواما عدة، وكان من الممكن أن يصبر أعواما طويلة بل يُورث ذلك الصبر والْمُرَّ للأجيال القادمة، للأسف مثل بقية شعوب العرب! لكنَّ الذي أشعل الفتيلَ اختلافُ الساسة هناك وخروج دخان ذلك الخلاف إلى الأوساط المحيطة بالرئيس وآله ومن ثم إلى الشعب! إنه من البداهة التأكيدُ على احترام اختيار الشعوب حين يكون لها الاختيار الحقيقي لا أن تصبح الثورةُ فرصةً للمتسلقين لاستغلال حميَّة الشعب لركوب موجة الشارع؛ لذلك كان ضبط النفس والوعي تجاه ما يحدثُ أَوْلى من اقحام الوطن بدوامة نتيجتها غير إيجابية، وفيما نصفق نحن لثورة الياسمين يُرفعُ الستارُ عن حركة أوَّلِ أُسطول إيراني يتوجّه نحو البحر الأحمر وإلى البحر الأبيض عبر قناة السويس، إنه من الطبيعي أن يكون لكلِّ دولة حقٌّ في امتلاك مفاعل نووي أو أسطول بحري ولكن الملْفتَ حقاً أن تكون كلُّ هذه التحديات الإيرانية ويكون كلُّ هذا التهويل والتضخيم لحجم وخطر إيران في الإعلام الغربي بموازاةٍ لإبراز إيران لنفسها وإن كان ذلك الظهور بثوبٍ سلمي، ثم يُقابَلُ كلُّ ذلك من جهة إسرائيل والغرب بلغة خطابٍ إعلامية مُفرغة تلحسُ عقول العرب؛ بينما حين تظهر أُولى بوادر مشروعٍ نووي للعرب يُضْرَبُ بشكلٍ سريع في مهدهِ دون أي مقدِّمات! لو كان هناك أي خطر حقيقي مقبل من إيران ومفاعلها لسارتِ الأمور في المنطقة بسيناريو آخر؛ لذلك استدراجُ العراقِ وسياسته آنذاك المبنية على الإجرام والسذاجة في ثمانينيات القرن الماضي وإعطائه الضوء الأخضر يومها لبدء الحرب على إيران كان من أجل انتصار إيران واختصار أكثر من عشرين عاماً للوصول لِما وصلت إليه إيرانُ اليوم من تدخل في شؤون العراق واحتلال للجزر الإماراتية، والمقبل ليس سراً إنما هي مسألة وقت، والآن يُدْفَعُ العربُ إلى حلقة جديدة من مشروع الشرق الأوسط الجديد ولكن دون تسميته باسمه هذه المرة، رغم فشل بعض حلقاته الأُولى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري! إن وصول أميركيا إلى العراق بأساطيلها، وسكوت إيران منذ البداية عن ذلك ليس لرغبتها في التخلُّص من نظام الديكتاتور صدام حسين فحسب، بل لأنَّ السياسة الإيرانية تُدرك أن دخول أميركيا إلى المنطقة لا يعني خروجها بسهولة، لذا فإن كثيراً من المعطيات تُشير إلى شراكة سياسية مباشرة أو غير مباشرة بين إيران والغرب لإعادة تشكيل قُوى المنطقة، خلافاً لِلُغة العداء الإعلامية بينهما؛ فالمسألة أعمق منْ ابتسامة السياسيين وأخطر من نوويِّ إيران!وبعيدة كل البعد عن ثورة الياسمين.