حسن مدن

للمرة الأولى منذ زمن طويل تصبح الفضائيات العربية جاذبة للمشاهد العربي، وإن حدث ذلك في مناسبات أخرى سابقة، فإنها المرة الأولى في ما أرى التي تقترن فيها هذه الجاذبية بمشاعر الفرح والبهجة في متابعة ما يُبث على شاشات هذه الفضائيات .

صديق هاتفني بالأمس، ليقول بين أشياء كثيرة قالها، إنه وزوجته حائران على أي محطة إخبارية، أو حتى غير إخبارية، من محطاتنا العربية، يوجهان ldquo;الريموت كونترولrdquo;، فلم يعودا يشعران بالملل من متابعة ما يبث عليها بثاً حياً مباشراً، ومصدر حيرتهما نابع من أنهما حيثما أدارا هذا ldquo;الريموت كونترولrdquo; فإن ثمة مسيرات في الشوارع: إن لم تكن المسيرة في تونس، فإنها في عمان، وإن لم تكن هناك فإنها في صنعاء أو عدن، وإن لم تكن هنا أو هناك، فهي في القاهرة أو السويس، ولا نريد أن نقول إن البقية تأتي، فالعلم عند الله .

زميلة صحافية كتبت تقول إنها لم تفارق بيتها منذ أيام، جلّ ما تفعله هو التسمّر أمام التلفاز لمتابعة ما كان يجري في تونس، لحظة بلحظة، مذهولة بما تشاهد .

وقد كتبت الزميلة هذا القول عندما كانت انتفاضة تونس في ذروتها، بعيد خروج رئيسها المخلوع، وأحسب أن هذا التسمّر مازال ملازماً لها، فتونس لم تعد وحيدة .

تونس لم تعد وحيدة . مع ذلك، فإن كل مسؤول في البلدان العربية الأخرى التي طالتها عدوى الياسمين التونسي الفواح، العابر للحدود، يبدأ حديثه الموجه لوسائل الإعلام أو للشعب الغاضب بالقول: بلدنا ليس تونس .

يُدهشنا هذا الإلحاح الرسمي العربي على إعلان البراءة من تونس، كأن لسان حال القائل يقول: إلا تونس! نقبل بأي شيء، لكننا لن نسمح لما جرى في تونس بأن يتكرر، أما الشارع العربي فله رأي آخر، فهناك فرح شعبي عارم قلّ نظيره يجتاح بلاد العرب مصدره النصر التونسي، ولطالما قرأت على الشاشات الجملة التي يرسلها المشاهدون لتبث على شريطٍ أسفل الشاشة: ليتني كنت تونسياً .

المواطن العربي المطحون في كل مكان يعلن انتسابه إلى تونس، أو فلنقل بالعربي الفصيح: إلى خيار تونس، لسبب بسيط وعميق في الآن ذاته، هو أن هذا الخيار قابع في النفوس المقموعة على مدار عقود، كأنه كان فقط بحاجة إلى شرارة بسيطة تفكُ أسره، وتطلقه طائراً حراً في السماء العربية .