محمد السعيد ادريس

على الرغم من أن أياماً قليلة هي التي فصلت بين انتصار الثورة الشعبية في تونس وانعقاد القمة الاقتصادية العربية في منتجع شرم الشيخ المصري، إلا أن هذه القمة حرصت على أن تعزل نفسها تماماً عن كل ما فرضته وسوف تفرض هذه الثورة الشعبية ونجاحها من تداعيات على السياسة والحكم في العالم العربي . أجواء تلك القمة كانت توحي بأن المسؤولين الذين شاركوا في هذه القمة العربية كانوا في أشد الحذر من الحديث أو الإشارة إلى تطورات ما يحدث في تونس، وكانوا حريصين أشد الحرص على التعامل مع كل تلك الأحداث والتطورات التونسية على أنه ldquo;استثناء تونسي خالصrdquo; ليس للدولة العربية الأخرى أية علاقة به من قريب أو بعيد، فالدول العربية، باستثناء تونس تزخر بالحريات وتنعم بالحكم الديمقراطي، ويسود العدل، ويعيش الشعب في هناء وعزة وكرامة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها حسب تقديرات المسؤولين العرب .

تعاملت القمة، ربما باستثناء كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، مع أحداث تونس وكأنها في كوكب آخر، وكأن الدول العربية مؤمنة من تداعياتها . كان لسان حال الجميع هو الدعاء إلى الله أن تمر ldquo;موجة تونسrdquo; بسلام ويتناساها العقل العربي كغيرها من الأحداث، وتعود الأمور إلى سابق عهدها قبل أحداث تونس وثورتها من دون موعظة ومن دون اعتبار، بل وبإصرار شديد على تجاهل الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وكأن شيئاً لم يكن، حيث التغاضي الكامل عن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتجاهل الفوارق التي تتسع بين من يملكون كل شيء وبين من لا يملكون شيئاً، والاعتماد المفرط على أجهزة الأمن والقمع لحماية واقع الظلم والقهر والاستبداد .

شعار ldquo;لسنا تونسrdquo; هو الذي فرض نفسه على تصريحات كبار المسؤولين العرب وأجهزة الإعلام الرسمية العربية . هذا الشعار جرى الترويج له بأكثر من معنى، كان أول هذه المعاني أن أجهزة الأمن في الدول العربية الأخرى أقوى بكثير من أجهزة الأمن التونسية التي كان يبدو أن الوهن والضعف قد نال منها مثل غيرها من مؤسسات الحكم التونسية، وكان من بين هذه المعاني أن الشعب في هذه الدولة العربية أو تلك ليس كالشعب التونسي، حيث نسبة التعليم مرتفعة جداً، وحيث كانت الطبقة الوسطى التونسية من الاتساع والوعي للدرجة التي مكنتها من قيادة الثورة الديمقراطية التونسية، على العكس من حال الأوضاع الشعبية في الدول العربية الأخرى فالطبقة الوسطى مهزومة في معظم هذه الدول وضعيفة، والوعي السياسي غائب، ومسائل الديمقراطية التي تنادي بها الحركات الاحتجاجية في بعض الدول العربية ليست لها أولوية أو اعتبار عند الملايين الشعبية المطحونة التي لا تجد وسيلة للتعبير عن معاناتها وستبقى كذلك عاجزة عن امتلاك القدرة على النزول إلى الشارع وتحمل مسؤولية وتبعات مثل هذا الفعل .

أما المعنى الثالث، وهو أسوأها وأحطها، فهو تعمد تشويه المعاني الرمزية التي فجرت الثورة الشعبية التونسية وخاصة اضطرار الشاب ابن مدينة سيدي بوزيد محمد العزيزي لإحراق نفسه احتجاجاً على مصادرة الأجهزة الأمنية لعربة الخضار التي كان يتكسب منها ويعول بها عائلته . محمد العزيزي أقدم على إحراق نفسه والتخلص من حياته بعد أن خلصوه هم منها بالسطو على مصدر رزقه، وأراد أن يقول ldquo;قطع الأعناق ولا قطع الأرزاقrdquo;، كان يفكر فقط في أن يصرخ بجسده المحترق ليعلن على الملأ أن الشعب لم يعد أمامه شيء آخر ليخسره كي يخرج عن صمته ويهزم ضعفه ويثور لكرامته .

هذه المعاني الرمزية للثورة على النظام وتحريض الناس للنزول إلى الشارع والانتصار لحياتها وكرامتها وإعادة بناء المستقبل على قيم العزة والكرامة حولتها مؤسسات الدول العربية إلى قضية دينية، قضية حلال وحرام قضية كفر وإيمان، وجرى توظيف الإعلام والمساجد للنيل من كل الأبعاد الرمزية الراقية للثورة التونسية، والسخرية والاستهزاء والتجريم بعد التحريم لكل من أقدم على هذا الفعل من أبناء الدول العربية الأخرى .