«المستقبل» بين انتصارين: إما تمويل المحكمة أو العزلة الدولية

ايلي الفرزلي

يرتاح تيار laquo;المستقبلraquo; عندما يقيم موقعه في المعارضة، فهو يرى نفسه قادراً على تحقيق انجازات كان يصعب عليه تحقيقها عندما كان مكبلاً بقيود laquo;السلطة والتسوياتraquo;. في خلفية الارتياح laquo;المستقبليraquo; عامل رئيسي يتكئ عليه في أدائه. هو يعرف أن الأكثرية التي تترنح مع كل ملف، غير قادرة على الحكم بدون أخذ بركة laquo;التيار الأزرقraquo;، إذ أن لمعظم مكوناتها مصالحه التي تجعله يحسب للأكثرية السنية ألف حساب، عدا عن عمليات تدوير الزوايا التي يضطر الفريق الأكثري لاعتمادها عند كل مطب تجنباً للخلافات الداخلية، لاسيما أن سيناريو التهديد والتهديد المضاد بين ميشال عون ووليد جنبلاط لم يُنس بعد.
لم يعد حلم السلطة بمتناول اليد، وبناءً عليه ينصب عمل laquo;المستقبلraquo; حالياً على المراقبة والتوثب للانقضاض على الفريسة الحكومية مع كل كبوة.
عندما يُسأل أحد كواد التيار عن مصير بيان لقاء البريستول الأخير الذي قرر القيام بحملة دولية لمقاطعة الحكومة، تأتي الإجابة بشقين. الأول، يعترف خلاله أن الحماسة والثقة الزائدة آنذاك أغرقت laquo;14 آذارraquo; في خطاب laquo;متعجرفraquo; صعب التطبيق في ظل laquo;لعبة الأممraquo;، على ما يقول وليد جنبلاط. الثاني، يدعو إلى العودة خطوة إلى الوراء والتأمل في المشهد الدولي الأخير حيث انتقل أركان السلطة اللبنانية ولاسيما الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، إلى نيويورك. هناك حاول الرجلان الايحاء، بحسب المصدر، أن اللقاءات المكثفة التي عقدت، ولاسيما منها لقاء ميقاتي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ليسا إلا بمثابة دعم أممي ـ أميركي للسلطة اللبنانية، إلا أن الواقع يؤكد أن هذه اللقاءات لم تأت إلا لتؤكد على عزلة دولية، مع وقت التنفيذ، تعيشها هذه السلطة. إذ يرى المصدر أن كل المسؤولين الغربيين لم يلتقوا اللبنانيين إلا لتنفيذ مهمة واحدة، وهي الضغط على الحكومة العتيدة لتنفيذ التزامات لبنان تجاه المجتمع الدولي، وأولها تمويل المحكمة الدولية، ثم التعاون في الملف السوري، من دون نسيان حث الحكومة على تنفيذ القرارات الدولية.
ويكمل المصدر أن المعادلة الحالية تجعل laquo;14 آذارraquo; منتصرة سلفاً مهما كان المسار الذي تختاره الحكومة، إذ أن تنفيذ الأجندة الدولية هو بشكل غير مباشر تنفيذ لكل ما تطرحه المعارضة، أما عدم التنفيذ فلن يكون عنوانه إلا العزلة الدولية، وهو أيضاً انتصار للمعارضة.
في ملف المحكمة تحديداً، يرتاح تيار laquo;المستقبلraquo; لمجريات الأمور. وهو بات متيقناً أن التمويل حاصل لا محالة، بغض النظر عن laquo;التخريجة الحكوميةraquo; أو الحجج التي توضع، وآخرها ما يتردد عن محاولات قوى حكومية تسويق نظرية laquo;لا بد من التمويل لتجنيب لبنان عقوبات دولية.
ملف المحكمة لم يكن هو الوحيد الذي تابعه تيار laquo;المستقبلraquo; في نيويورك، فمسار الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، فتح أمام laquo;التيارraquo; منفذاًَ إضافياً للتصويب، ليس فقط على laquo;حزب اللهraquo;، بل على مجمل العقيدة المقاومة. ويرى المصدر أن خطاب محمود عباس في نيويورك أسقط نظرية الممانعة التي يحاول البعض إلباسها لفلسطين وحشر laquo;حماسraquo; وlaquo;حزب اللهraquo; في زاوية غياب الانجاز، بوصف خياراتهما ليست إلا خيارات بالية تعود إلى زمن آخر. وعليه، يؤكد laquo;المستقبلraquo; أن الخطوة التي قام بها أبو مازن عززت خيار السلام من دون أن تلغي الصراع مع إسرائيل. وهو خيار ليس بحاجة إلى العنف ليعطي الشعب الفلسطيني فرصة جدية لاستعادة حقوقه المشروعة في الحصول على دولة حرة ومستقلة.
وانطلاقاً من تاريخية هذه الخطوة، فإن لـlaquo;المستقبلraquo; ثقة بان أميركا لن تستطيع معارضة عضوية فلسطين في الأمم المتحدة لفترة طويلة، خاصة في ظل ما يحمله الربيع العربي من تغييرات ديموقراطية تحتم عليها أخذ مصالحها في المنطقة بعين الاعتبار.
الهواء النيويوركي لم يبعد laquo;المسـتقبلraquo; عن الساحة الداخلية والساحات العديدة التي يزورها البطريرك بشارة الراعي. ويلاحظ المصدر أن الراعي، وعلى الرغم من تعمده في زيارته الجنوبية، التخفيف من وطأة مواقفه وعدم تكرارها بالحدة نفسها، إلا أن ذلك لم يحجب حقيقة ثابتة مفادها أن الزيارة برمتها حصلت بتغطية من سلاح laquo;حزب اللهraquo;، عدا عن أن الراعي لم يمانع في تجيير الاستثمار السياسي لصالح مستقبليه من laquo;8 آذارraquo;.