حسام عيتاني

القبول بالتدخل الخارجي وضيق التمثيل في الداخل، هما التهمتان اللتان ألصقهما بالمجلس الوطني السوري مؤيدو النظام في دمشق، وذهب مذهبهم بعض المعارضة.

يمكن فهم موقف هذه الأخيرة وتبريرُه بحاجتها إلى الحفاظ على خيط ولو هزيل للتواصل مع حكم يشعر بحساسية مفرطة حيال كل ما يشير إلى تدخل خارجي يدعم المتظاهرين. بعض المعارضة في الداخل السوري يعلم الخطوط الحمر وحقول الألغام التي يتحرك بينها وعليها، لذا تقتضي الواقعية ترْكَ من يواجه آلة القمع من دون قناع ومن قرب، يقرر النهجَ الأنسب له في مقاربته الحراك الجماهيري.

أما بالنسبة إلى المتحدثين باسم النظام، فتبدو حجتهم متهافتة، إذ إنهم يكررون ومنذ اندلاع الثورة السورية، الفكرةَ ذاتها بكلمات مختلفة: المعارضة في الخارج معدومة الأثر على ما يجري في الداخل، ومعارضتا الداخل والخارج تتشاركان في العمالة للغرب وإسرائيل، وغايتهما الأخيرة إسقاط نظام المقاومة والممانعة، خدمة للمصالح المعادية.

تهافُت هذه الذريعة مقيم في انضواء عدد من القوى المؤثرة في الداخل السوري في اطار المجلس، وهو ما ظهر في قدرتها على تسيير تظاهرات تأييد له بعد ساعات قليلة من اعلان تشكيلته في اسطنبول، ناهيك عن أن رفض المتحدثين باسم النظام الاعتراف بسعة تمثيل المعارضة، يجعل من اللجوء الى صناديق الاقتراع أمراً ملحاً لحسم اللغو الذي يلجأ اليه أنصار الرئيس في حديثهم عن تمتعه بمساندة الأكثرية الساحقة من السوريين.

مسألة التدخل الخارجي لا تقل أهمية، فبعد تحقيق النظام إنجازات لا تُنكر في الحيلولة دون صدور أي قرار دولي يدينه إدانة صريحة او يفرض عقوبات قاسية عليه، مستفيداً من غياب الغطاء العربي ومن الدورين الروسي والصيني في التستر على جرائمه، جاء المجلس الوطني ليقول إن موضوع التدخل الخارجي مازال قيد البحث، شرط عدم انتهاك السيادة السورية، وان يكون بالتوافق معه.

حدّا السيادة والتوافق مع المجلس، ورغم التناقض الشكلي بينهما عند الحديث عن التدخل الأجنبي، يجب أن يوضعا في إطار إبقاء كل الخيارات مفتوحة في وجه نظام لم يتورع عن قرار حصر أدوات laquo;حوارهraquo; مع المعارضة بالقوة المسلحة وبالقمع الأمني. وحيال الاختلال في موازين القوى الميدانية وإصرار الثورة على طابعها السلمي، يبدو مفهوماً البحث عن وسائل تردع النظام عن إيغاله في سفك الدماء بغية ترويع المعارضين.

المسألة هنا لا تتعلق بالوطنية ولا بالعمالة، بل بمسؤولية النظام مسؤولية كاملة عن إغلاق الباب أمام أي عملية سياسية تتيح وضع أسس ومقدمات تغيير سلمي وديموقراطي في البلاد. هذه العقلية لم تبدأ مع ما قاله الضابط عاطف نجيب لوجهاء درعا الذين جاؤوا يطالبون بالإفراج عن ابنائهم في اول ايام الثورة، بل تعود إلى أعوام كثيرة مضت عندما قرر الرئيس حافظ الأسد أن السجن والموت هما مآلا رفاقه السابقين في الجيش وفي حزب البعث ممن عارض صعوده الى السلطة.

هذا كله، معطوفاً على ما يبدو كانطلاقة لآلة التضخم والأزمة الاقتصاديين، ولعزلة شديدة الوطأة لم تترك من أصدقاء للنظام سوى أنصاره في لبنان وأطراف في الحكومة العراقية وإيران، يجعل المجلس الوطني في موقع القادر على اتخاذ المبادرة في الداخل والخارج والتقليل من الخسائر التي يبدو الحكم عازم على إلحاقها بسورية قبل سقوطه.