أحمد الجارالله

ربما لا يكون موقف كل من روسيا والصين في مجلس الامن من الثورة السورية مستغربا فكلتاهما لا تستطيع ان تخرج من جلدها, او تنظر بعين التعاطف الانساني الى ما يرتكبه نظام دمشق من مجازر على امتداد سورية, فالاولى لها ما لها من تاريخ في القمع والتدخل في شؤون الدول المجاورة, والثانية لا تزال تعيش داخل اسوار الستار الحديدي, بل انها لا تتوانى لحظة عن تكرار ما حصل في العام 1989 في بكين والمجزرة الفظيعة في ساحة تيان ان مين, بل ان ضجيج قمعها لشعبها يصم الاذان, رغم كل ذلك كان يمكن لموسكو وبكين ان تراعيا الحد الادنى من الحقوق الانسانية للشعب السوري, وتضغطا على النظام ليخفف من وطأة القتل والاعتقال, ويسير بالاصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الاسد, هذا اذا كانتا تريدان ان تغفر لهما خطاياهما الشعوب العربية مستقبلا, وتحتفظا بمكان لمصالحهما مستقبلا في سورية ما بعد البعث.
نقول ربما نفهم موقف الدولتين, لكن المثير للاستهجان هذا الصمت العربي المطبق على ما يجري في سورية لا سيما بعد المواقف المعروفة لهذه الدول, اكان حيال ما جرى في تونس او مصر او دعمها, منذ الساعات الاولى للانتفاضة الليبية, بل اتخاذها موقفا موحدا في مجلس جامعة الدول العربية وتجميد عضوية طرابلس في كل مؤسسات الجامعة, اكثر من ذلك مشاركة بعضها عسكريا في حماية المدنيين, اذ كان متوقعا ان يتكرر هذا الموقف مع نظام دمشق حتى يرحم شعبه, لكن يبدو ان تهديدات الرئيس الاسد باحراق الشرق الاوسط خلال ست ساعات اذا ما تعرض النظام لاي عملية تأديب فعلت فعلها في الدول العربية وتركيا وحتى الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل, وانطلقت الاتصالات في كل الاتجاهات طلبا لمنح الفرصة تلو الاخرى لهذا النظام الذي استكان الى ضعف الموقف العربي والارتباك الدولي واستمر في اعمال سكين القتل في رقاب الابرياء السوريين.
يبدو ان الدول العربية افلست امام الوضع السوري, والعالم يغض الطرف عن ابشع مجزرة ترتكب في التاريخ الحديث, بينما لا تزال الثورة الشعبية منذ سبعة اشهر تتصاعد بقوة الايمان بالحق وعدالة المطالب, عارية من اي غطاء او دعم عربي ودولي, ومتحدية ليس النظام وحده, بل ايران وفنزويلا والصين وروسيا وكل الدول التي لا تزال تنظر الى نظام البعث على انه قوة اقليمية فاعلة, او تخاف من تهديداته, التي ليست اكثر من كلام للاستهلاك والتهويل, فنظام سكت طوال 40 عاما على احتلال ارضه, وسرحت ومرحت الطائرات الاسرائيلية, عشرات المرات في اجواء بلاده ولم يحرك ساكنا هو اضعف بكثير مما يعتقد البعض, والدليل هذه الثورة التي اسقطت كل اقنعة التخويف التي لبسها, واثبتت انها ثورة حقيقية لا تحتاج الا الى ان يتحرك بعض الضمير الانساني لتنتصر.