هدى الحسيني

ربطت تركيا اسمها بكل ما يجري في سوريا. النظام السوري، وحسب زائريه اللبنانيين، يشعر بأن الوضع الآن أفضل مما كان عليه قبل أسابيع. وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قال في إسرائيل مساء الاثنين الماضي إن بقاء النظام السوري مجرد مسألة وقت. روسيا تدعم بقاء النظام والتقارير الآتية من الصين تفيد بأن الصين ترى أن النظام السوري عبر مرحلة الخطر.
في لقاء مع خبير عسكري بريطاني يعرف منطقة الشرق الأوسط جيدا قال: الخيارات في سوريا وللأسف، ليست بين ديكتاتورية بشار الأسد أو نظام ديمقراطي منفتح، بل إن الخيارات الحقيقية هي: إما الأسد أو نظام برعاية تركية قائم إلى حد واسع على الإخوان المسلمين.
يضيف محدثي: لست متأكدا من أن هذا أفضل، لأن ما سنحصل عليه في المنطقة مزيج من تركيا، سوريا في ظل الإخوان المسلمين، حماس في ظل laquo;الإخوانraquo;، وحكم laquo;الإخوانraquo; في مصر، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عصيان في الأردن، لأنه سيشجع العناصر الراديكالية فيه، من أردنيين وفلسطينيين، فإذا ما توجه الأردن في الاتجاه المصري فسيكون هناك تغيير سلبي كبير بسبب وضع الأردن كـlaquo;دولة عازلةraquo;، ولاحقا ستبرز تركيا جديدة أكثر خطرا من تركيا اليوم.
يجد أن الكثيرين لا يعرفون رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، هو ذكي، بارع ويأخذ كل وقته laquo;بطريقة ما وفي بعض الحالات هو أكثر خطورة من إيرانraquo;. يشرح، إن إيران خطرة في النووي والإرهاب والرغبة في التوسع، لكن تركيا أكثر خطرا على الصعيد السياسي، laquo;لأن الأتراك قادرون على تحقيق سيطرة سنية من النوع السلبيraquo;.
بنظره، فإن الولايات المتحدة وأوروبا غير واعين للخطر التركي، لأن أوروبا تقبل تركيا كجزء من الحلف الأطلسي، والرئيس باراك أوباما يستشير أردوغان في كل خطوة كبيرة يقوم بها في المنطقة. يشعر بأنه لا بد من الاعتماد على الإرادة الحسنة لتركيا للانسحاب من العراق وأفغانستان.
يصر الخبير العسكري البريطاني على أن الأتراك أكثر خطرا لأنهم لا يبدون بالخطر الذين هم عليه فعلا، خصوصا أن laquo;الوضع في المنطقة سيئ، أسوأ مما كان عليه قبل الربيع العربيraquo;.
يقول إن دولا كثيرة في الشرق الأوسط، عربية، وأيضا إسرائيل وإن كانت لا تعترف، فإنها تخاف مما يجري في العراق، وما يجري في مصر وما يجري في تركيا وما يجري في أميركا، وهذه صورة خطيرة laquo;لأن في أميركا رئيسا لا يدرك حقائق المنطقة، لا، بل يسبب الكثير من الأذى لحلفائهraquo;.
أسأله: في هذه الحالة، أي إذا سيطرت تركيا والإخوان المسلمون، ماذا سيكون دور إيران؟
يجيب: لإيران مشكلة آنية مع تركيا، لأنها تزعزع وضع إيران في سوريا الأسد، ثم هناك منافسة طبيعية بين إيران وتركيا حول السيطرة على المنطقة. ويضيف: laquo;من ناحية أخرى، الدولتان تشجعان العناصر الراديكالية في المنطقة. إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة النظر الضيقة لإيران، فإن بروز تركيا هو خبر سيئ، لكن إذا نظرنا إلى جعل المنطقة راديكالية متطرفة بشكل عام، فإن الراديكالية التركية تدعم الراديكالية الإيرانية. الدولتان تدعمان القوى الراديكالية في المنطقة، لكن تركيا أكثر مهارة وتعمل بتوقيت مختلف تماما عن الإيرانيينraquo;.
الإيرانيون يريدون نتائج فورية، أما الأتراك فإنهم على استعداد للاستثمار للحصول على نتائج أفضل لاحقا، وهذه هي الاستراتيجية الكبرى للإخوان المسلمين.
يقول: laquo;إذا عدنا إلى مصر وحسن البنا، نرى أنه منذ عام 1928، أي منذ أكثر من 80 سنة، لدينا هذا المنظور طويل الأمد لجعل السنة أكثر تطرفا في العالم العربي، وهذا يزيد من راديكالية العالم العربي. وما رأيناه في الثمانينات هو بذور الأسلمة الراديكالية للسنة التي زرعت من قبل laquo;الإخوانraquo; في العشرينات.
يعطي محدثي النظام السوري نسبة 40% بقاء مقابل 60% انهيار. يعتقد أن المظاهرات صغيرة الحجم قد تستمر لسنوات، لكن laquo;لا يعني ذلك أنها مع الوقت ستسقط النظامraquo;. هو متأكد من أن الأتراك فاعلون في سوريا، ويستبعد تدخلا غربيا عسكريا فيها laquo;لأن الأمر أكثر تعقيدا من ليبياraquo;.
برأيه أن الأتراك قد يقومون بالتدخل بطريقة غير مباشرة، لن يحركوا دباباتهم أو فرقهم العسكرية داخل سوريا، سيلجأون إلى أساليب أخرى عبر تقديم السلاح للمجموعات التي يتبنونها وأيضا عبر اللاجئين، وبسبب الحدود المشتركة فالملاحقون المسلحون في سوريا يمكنهم اللجوء إلى تركيا لإعادة تجميع أنفسهم والعودة إلى سوريا. laquo;لا يوجد رأي عام في تركيا كما حال العالم الغربي، الصحافيون في السجن (56 صحافيا) أو مهددون بالدخول إليه، وكذلك الجنرالات، هناك فقط حدود مشتركةraquo;. يرى أمرا آخر ممكنا، كأن تشجع الدول الغربية تركيا على التدخل، laquo;الأوروبيون والأميركيون يريدون تغيير النظام السوري عبر تركيا، وتحت ظل غطاء تركي بدل التدخل المباشرraquo;.
لكن، إذا نجحت تركيا في الشرق، هل ستواصل مسيرتها نحو دول الخليج؟ يجيب محدثي: laquo;ستحاول دعم كل دولة خليجية فيها عناصر مشابهة للإخوان المسلمينraquo;. laquo;تركيا حتى زعامة أردوغان لم تكن لديها طموحات سيطرة على العالم العربي كعالم سني. الآن لديها. وعندما يكون هناك حليف محتمل لها في الخليج مثلا فإنها تذهب إلى هناك، وبسببها فإن القوى الداخلية التي لم تفكر سابقا في زعزعة الأنظمة ستجرؤ على تحدي توازن القوى القائمraquo;.
أقول: يشعر البعض بأن العلويين يهيئون دولتهم داخل سوريا. يجيب محدثي: لا أعتقد أن ذلك ممكن، إذا كنت تقصدين منطقة اللاذقية. يوضح السبب، لا يرى دولة علوية قادرة على البقاء من دون مساعدة خارجية كبرى. يمكن لمثل هذه الدولة أن تعيش مثل قبرص التركية لأنها مدعومة من تركيا، أما العلويون فإنهم لن يحصلوا على دعم خارجي مشابه، خصوصا إذا كانت الدولة (دمشق) ضدهم. الوضع ليس مشابها للسودان أو ليبيا، جنوب السودان تحقق بعد وقت طويل، وإذا صدق المتوقع بالنسبة إلى الدول العربية بأن تتقسم فهذا قد يحدث في ليبيا بين الغرب والشرق نتيجة الانقسامات التاريخية، لكن، laquo;لا أعتقد أن هذا ممكن في سورياraquo;.
وماذا إذا ساعدت إيران هذه الدولة الجديدة؟ يجيب: laquo;لا حدود مشتركة بينهما، ولأن الإيرانيين ليست لديهم حرية الحركة في المتوسط سيكون الأمر صعبا جدا، فالدولة العلوية لن تكون قريبة من إيران، إنها ليست على الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، حيث الحدود العراقية والتركية. ستكون على المتوسط. لكن، عندما تبرز تركيا قوية تدعم النظام الآخر في سوريا، لا يمكنني أن أرى الإيرانيين قادرين على دعم النظام العلوي في المناطق العلوية، لأن الحكومة في دمشق، التي ستكون إلى حد كبير من الإخوان المسلمين، ستكون مدعومة بقوة من تركيا، وتستطيع القضاء على الدولة العلوية. على كل، أنا لا أقول إن الأمر مستحيل، لكنه مستبعدraquo;.
أسأله: ألا تهدد الأقليات كالأكراد نظام أردوغان؟ يجيب محدثي: laquo;لا أعتقد أن أيا من الأقليات يمكنه تهديد أردوغان إذا استطاع التعامل مع الأكراد الأكثر عددا، وحيث الجغرافيا تخدمهم: منطقة جبلية ويستطيعون التنقل بين العراق وتركيا وإيران. إذا استطاع التعامل مع الأكراد، فإن الأقليات الأخرى تبقى ضعيفةraquo;. يضيف محدثي: laquo;حاليا يستطيع أردوغان ذلك، لكن هل يمكنه إسكات الأكراد تماما؟ لا أعتقد ذلك، وهل يمكنه المحافظة على نظامه مع انتفاضة كردية كبرى كما يجري اليوم في الدول العربية، يستطيع، هذا سيؤثر عليه، إنما لن يهدد نظامهraquo;.
نعود إلى سوريا، يقول محدثي الخبير العسكري البريطاني: laquo;مع الوقت، سيأتي الناس إلى هذا الاستنتاج، من الأفضل الإبقاء على الأسد ضعيفا كما هو الآن. لأن البديل، أي سوريا ديمقراطية مستقرة غير متوافر، الآن سوريا ضعيفة أفضل من سوريا إخوان مسلمين مدعومة من تركياraquo;