عبدالعزيز المقالح

هل يمكن القول إن القضية الفلسطينية قد أحرزت في الآونة الأخيرة انتصاراً أعادها إلى مركز الضوء بقوة، وإلى ما كانت قد حققته في السبعينيات والثمانينات من دعم دولي ومن نجاح منقطع النظير على مستوى الرأي العام العالمي؟ وهل في إمكان الأشقاء أبناء القضية أن يضاعفوا من هذا الانتصار وأن يعيدوا لقضيتهم التي هي قضية العرب أجمعين صورتها النضالية المقاومة، صورة شعب يدافع عن وجوده ويقف صفاً واحداً في وجه محاولات الإبادة والاقتلاع؟ وهل آن الأوان لتجاوز حالات الانقسام والصراعات الفلسطينية الفلسطينية وتوحيد خط الدفاع المشترك من أجل الحاضر والمستقبل؟ وهل ستغدو التجربة الماضية كافية بالنسبة إليهم لأن تجعل منهم أفرقاء في قضية واحدةٍ، قوة واحدة في وجه التصلب الصهيوني الاسيتطاني؟ أسئلة إجابتها لدى الأشقاء الفلسطينيين قبل غيرهم من الأطراف المساندة لهم والواقفة إلى صفهم . ولعل أسوأ ما شهدته القضية من تراجع داخلي وخارجي يتمثل في الخلافات التي طرأت، ثم تطورت منذ فترة غير وجيزة، بين أبناء القضية وحاملي راية الكفاح الوطني في استعادة الحق السليب، إذ لم يتوقف تأثير تلك الاختلافات عند تعطيل الطاقات وانحرافها عن الطريق الصحيح فحسب، وإنما أعطت للعدو فرصة ثمينة لمواصلة تمدده في الأرض وتوسيع مستوطناته، كما تحولت أنظار العالم عن القضية ذاتها إلى الخلافات، وما تفرزه كل يوم من معارك جانبية حول وجهات نظر لا تدعو إلى شق الصف والذهاب بعيداً عن الهدف الذي من أجله ينبغي أن تعمل كل فصائل النضال الوطني الفلسطيني اليوم وغداً وفي المستقبل القريب والبعيد .

وما دام الحديث هنا عن الأثر الفاجع الذي تركته الخلافات في الوسط الفلسطيني والعربي والعالمي، فإني ما زلت أتذكر كيف أن أحاديثنا اليومية كانت في الماضي القريب تتمحور حول القضية، وكيفية الانتصار لها، ثم كيف صارت في الآونة الأخيرة مقصورة على الخلافات بين ldquo;الإخوة الأعداءrdquo;، وما يصدر عنها ويترتب عليها من تشويه لحركة النضال الوطني الفلسطيني، ومن انصراف أكثر المهتمين عن متابعة القضية بعد أن تحولت إلى هامش في متن الخلافات التي أخذت أبعاداً سلبية لم تكن متوقعة ولا محتملة . لقد تجاوز الحديث في الشارع العربي وفي إطار الرأي العام العالمي القضية إلى الحديث عن القضايا الثانوية جداً، تلك التي ترتبت على تصاعد الاختلافات، كأن الشعب العربي الفلسطيني قد حقق كل ما كان يصبو إليه ولم يبق سوى الصراع الهامشي على السلطة التي لا تزال في طور التوقع والاحتمال .

وأعود لكي أتساءل مجدداً، هل التحول الأخير وما حققته القضية على المستوى الدولي، وما كان قد أشيع عن تصالح بين القوتين الرئيستين ldquo;فتحrdquo; وrdquo;حماسrdquo; يعد كفيلاً بأن يجعلنا جميعاً نتفاءل بأن حالة من النهوض غير المسبوق في أوساط الأشقاء قد بدأت؟ وأنها سوف تزداد عمقاً في الوقت الحاضر استعداداً لإعلان الدولة الفلسطينية وقبولها عضواً كامل الصلاحية في الأمم المتحدة؟ والإجابة عن هذا السؤال الطويل يأتي من فلسطين أيضاً ومن استخلاص الدروس الماضية، ومحو ما صنعته الانشقاقات من آثار سلبية مدمرة على جميع الأطراف من دون استثناء . وإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يساعد من لا يساعد نفسه، فكيف بالبشر الذين يشترطون لتقديم مساعدتهم عشرات، وربما مئات الشروط؟