خيرالله خيرالله


لنفترض ان النظام السوري قابل للاصلاح. مثل هذا الافتراض يدعو الى التساؤل من اين يمكن ان يبدأ الاصلاح الذي يصبّ في مصلحة سورية والسوريين والاستقرار الاقليمي في الوقت نفسه؟
من يتمعن في مسيرة النظام السوري يكتشف ان قضية الاصلاح لا علاقة لها بالنصوص بمقدار ما انها مرتبطة بذهنية معيّنة. تركز هذه الذهنية على ان في استطاعة النظام والقيمين عليه تغطية كلّ انواع القمع في الداخل وحتى ايجاد صيغة تعايش مع الاحتلال الاسرائيلي للجولان عن طريق رفع الشعارات الكبيرة من جهة وامتلاك ما يسمّى أوراقا اقليمية من جهة اخرى.
تبيّن مع مرور الوقت وتغيّر العالم والشرق الأوسط ان هذه الذهنية لم تعد تنفع في شيء، بل صارت تشكل في العام 2011 دليلا على العجز عن القيام باصلاحات من اي نوع كان. كلّ ما في الامر ان هناك اسلوبا في الحكم يستخدم منذ العام 1963، تاريخ وصول حزب البعث الى السلطة، من اجل اخضاع الشعب السوري الى ما لا نهاية. يحصل ذلك باسم الممانعة والمقاومة وشعارات فارغة اخرى.
امّا الترجمة الفعلية لهذه الشعارات فهي تتمثل في نشر حال من عدم الاستقرار في المنطقة والتلويح بان النظام السوري وحده قادر على المحافظة على الاستقرار الاقليمي، بما في ذلك على حال اللاحرب واللاسلم مع اسرائيل. مثل هذه الحال تصبّ الى حد كبير في مصلحة الدولة العبرية التي تراهن على الوقت من اجل تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وحرمان الشعب الفلسطيني من دولته المستقلة laquo;القابلة للحياةraquo;.
من هذا المنطلق، يظل الكلام عن اصلاحات في سورية مجرد كلام، حتى لو حصل تغيير لكل مادة من مواد الدستور وحتى لو سُمح بقيام الف حزب وحزب. كلّ هذه الامور لا قيمة لها في غياب تغيير في ذهنية الذين يحكمون سورية، على رأسهم الرئيس بشّار الاسد. ما يؤكد ذلك الاصرار السوري على التعاطي مع اسوأ نوع من السياسيين اللبنانيين واستقبال شخصيات عاجزة حتى عن فهم ما يدور في الحي الذي تسكنه!
لنضع جانبا استقبال هذا السياسي أو ذلك في دمشق ولنتحدّث عن مثل محدد يمكن الانطلاق منه للتأكد من ان مشكلة النظام السوري تكمن في ذهنية معينة لا علاقة لها بالمنطق. بل يمكن الحديث عن المنطق العبثي للنظام السوري الذي يعتقد ان تجميع الأوراق الاقليمية سيسمح له بالانتصار على شعبه ومتابعة المتاجرة باللبنانيين والفلسطينيين وبعض العراقيين الى ما لا نهاية.
هذا المثل المحدد، الذي يمكن الانطلاق منه لتشريح الاسباب التي تحول دون اي نوع من الاصلاح في سورية، هو القواعد الفلسطينية في الاراضي اللبنانية. ما الفائدة السورية من هذه القواعد التي تقيم فيها عناصر فلسطينية مسلحة مرتبطة بشكل مباشر بالاجهزة السورية غير الاساءة الى لبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين وكل ما له علاقة بحقوق شعب مظلوم؟
استخدمت هذه القواعد في الماضي من اجل تأجيج الصراعات في لبنان. احدى المنظمات الفلسطينية التابعة للنظام السوري عملت في العام 1976 على تدمير قسم من بيروت (منطقة الفنادق) بناية بناية وشارعا شارعا وذلك بحجة الدفاع عن laquo;عروبة لبنانraquo;. كل ما كان مطلوبا في تلك المرحلة هو الانتقام من لبنان واللبنانيين وضرب صيغة العيش المشترك في البلد. هل يمكن لمثل هذه الذهنية ان تحافظ على نظام ما الى ابد الآبدين كما يتصور أولئك الذين يمتلكون عقليات مريضة ولا شيء غير ذلك؟
عمليا، ادت هذه السياسة، معطوف عليها تزويد كل الميليشيات اللبنانية من مسيحية واسلامية بالسلاح، الى انهيار جزء من مؤسسات الدولة اللبنانية والى عمليات تهجير متبادلة والى شرخ طائفي. حسنا، كانت لدى النظام السوري في تلك المرحلة اهداف معينة تتمثل في وضع اليد على لبنان والسيطرة عليه عسكريا وامنيا ومنع ياسر عرفات، رحمه الله، من اعتماد سياسة خاصة به تحت عنوان laquo;القرار الفلسطيني المستقلraquo;.
ما الذي يبرر هذه السياسة في السنة 2011؟ لا وجود سوى لتبرير واحد يتلخّص بان الذهنية التي تتحكم بالنظام لا تزال هي ايّاها. لا يريد هذا النظام ان يسأل نفسه ولو سؤالا واحدا من نوع لماذا كان عليه الخروج من لبنان عسكريا في العام 2005؟ وفي حال كان عاجزا عن طرح مثل هذا السؤال لماذا مرّ اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 مرور الكرام فيما احدث اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 هذا الزلزال الاقليمي؟
متى يباشر النظام السوري اعادة النظر في اصراره على ابقاء القواعد الفلسطينية التابعة له في الاراضي اللبنانية، يصبح في الامكان القول ان النظام السوري قابل للاصلاح. في غياب خطوة من هذا النوع يصعب الكلام عن تغيير محتمل في ذهنية ترفض الاعتراف بأن الحرب الباردة انتهت مع سقوط جدار برلين خريف العام 1989 وان المنطقة تغيّرت وان سورية نفسها تغيّرت وان لا مفرّ من مواجهة مشاكل ذات طبيعة مختلفة.
الاهمّ من ذلك كله انه آن أوان الاعتراف بأنّ الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على اسرائيل وان القواعد الفلسطينية في لبنان لا تحلّ اي مشكلة في سورية، لا مشكلة النمو السكاني ولا مشكلة البناء العشوائي ولا مشكلة البرامج التربوية ولا مشكلة الفساد ولا مشكلة التطرف الديني لدى جماعات معينة. كلّ ما في الامر ان النظام السوري يحاول تسويق أوراق لا وجود لمن يشتريها.
الاكيد ان ليس في امكان من يفكّر بهذه الطريقة الاقدام على اي اصلاح. الاصلاح يحتاج شجاعة وعقلا متفتحا يدرك قبل اي شيء آخر ان الدور الاقليمي لدول صغيرة وهم وان لا مجال لمثل هذا الدور في غياب اقتصاد قوي قبل اي شيء آخر.