سركيس نعوم

تعديل قانون دور العبادة في مصر او وضع قانون جديد لها قد يزيل احد اسباب الاضطرابات العنفية المتكررة بين أقباطها ومسلميها. لكنه قطعاً لن يحل المشكلة الطائفية في مصر الموجودة من زمان رغم إنكارها. واستمرار هذا الإنكار من شأنه ايصال quot;ارض الكنانةquot; الى مجازر أو إلى حروب أهلية شبه مستمرة. ذلك ان ابناء الديانتين التوحيديتين في مصر يمارسون عيشاً مشتركاً عفوياً فرضته عليه بدايةً جغرافيا الانتشار، وفرضه لاحقاً قبول الآخر، قبل التحول السياسي الذي بدأ فيها عام 1952، والذي حصر هذا القبول بالشأن الاجتماعي اذا جاز التعبير على هذا النحو، ولم يتجاوزه الى الشأنين السياسي والوطني. ففي الصعيد مثلاً يعيش المسلمون والاقباط في قرى واحدة. واحياناً كثيرة تكون بيوتهم متجاورة أو متلاصقة. وفي المدن ولا سيما في الاسكندرية والقاهرة يتشارك هؤلاء السكن quot;العماراتquot; وquot;الحاراتquot;. وانفجار الاحتقان في ظل تجاورٍ كهذا لا يمكن ان يسفر الا عن مجازر.
اذاً ما يشكو منه quot;الاقباطquot; في مصر هو تهميشهم السياسي الذي حولهم، وعلى مدى نيف وعقود ستة، مواطنين من درجة ثانية او ربما أكثر يتمتعون قانوناً بحقوق متساوية مع اخوانهم المسلمين، ولا يتمتعون بها ممارسة. فدورهم في الحياة السياسية انعدم على نحو كبير، ذلك ان نشاطهم السياسي من منطلق ديني لم يكن مسموحاً به، او على الاقل مقبولاً لا منهم ولا من الأنظمة الحاكمة ولا من الغالبية الاسلامية. كما ان الابواب امام ممارسته من خلال الاحزاب السياسية quot;الوطنيةquot; او الاسلامية كانت مغلقة الى حد كبير. علماً ان الانصاف يقتضي الاشارة هنا الى ان النظام المصري الشمولي الذي بدأ عام 1952، رغم انجازاته الاجتماعية الكثيرة، والذي استمر وتطور ولكن نحو الأسوأ بعد رحيل مؤسسه جمال عبد الناصر، لم يشجع على العمل السياسي، ولم يؤمن الحرية للراغبين في ممارسته الى أي ديانة انتموا. ولعل الدليل الابرز على ذلك لجوء رئيس الجمهورية المصري، في اعقاب كل انتخابات تشريعية، الى تعيين نواب اقباط في مجلس الشعب لم يتجاوز عددهم العشرة في غالب الأحيان. إما لأن الشعب لم يعد ينتخب أقباطاً، واما لأن الاحزاب المشاركة في الانتخابات لا تضم اقباطاً أو لا ترشح أقباطاً. ولا يقلل من quot;الحرمان السياسيquot; للاقباط في مصر اقدام رئيسها على تعيين وزير أو أكثر في حكوماته وبحقائب بعضها مهم. أما على الصعيد الاجتماعي فقد شعر اقباط مصر انهم quot;مستباحونquot; اجتماعياً وليس سياسياً فقط، وان المعاملة بالمثل محظرة عليهم. هذا الواقع حوّل مسيحيي مصر quot;اهل تقيةquot;. فالعائشون منهم في بلادهم لا يُسمع من كبارهم ومثقفيهم وحتى من رجال دينهم، علماً ان التعميم هنا لا يجوز، الا كلاماً يؤكد وجود العيش المشترك والتسامح بين الجميع والعلاقة الجيدة. وقد بلغ احياناً كثيرة هذا الكلام درجة التزلف أو ربما النفاق. أما الذين هاجروا الى دول ديموقراطية فجهروا بحقيقة اوضاعهم في مصر وما يعانونه. وطالب بعضهم بالاصلاح. وطالب بعضهم الآخر بخطوات راديكالية مؤذية لأهلهم في الوطن وللوطن. وأفسح ذلك في مجال استغلال الظلم اللاحق بهم امام كبريات الدول التي لا تهتم عادة الا لمصالحها. طبعاً تغير الوضع قليلاً أيام مبارك وقبله السادات جراء اعتراف الاثنين بالاسلاميين واستعمالهم لتنفيذ quot;الاجنداquot; الخاصة بكل منهما رغم القمع المنهجي لهم عند انتفاء الحاجة اليهم، وكذلك جراء quot;ولادةquot; اسلاميين متطرفين وتكفيريين. لكن ذلك لم يقلص منطق التقية المسيحية في الداخل، كما تزايد منطق الإحتجاج والمطالب المتطرفة عند مسيحيي الخارج.
ما القصد من ذلك كله؟
القصد هو دعوة الثائرين في مصر الذين اسقطوا رئيس النظام الى العمل مع quot;جيشهquot; الممسك بالسلطة الآن انتقالياً الى الغوص في جذور المشكلة القبطية ndash; الاسلامية، والى البحث الجدي عن حل واقعي لها، لأن الحل المثالي شبه مستحيل، يؤمن المساواة بين ابناء مصر كلهم كمواطنين وليس كطائفتين او ديانتين. لأنهم اذا لم يفعلوا ذلك فإن الاقلية المسيحية البالغ عددها 10 في المئة من شعب مصر المقدر عدده بـ85 مليون نسمة ستصبح مصدر عدم استقرار دائم لمصر، وستصبح اداة للخارج أي خارج ضد مصر، ولن تستطيع الغالبية المسلمة القضاء عليهم. طبعاً لا يعني ذلك اننا نروّج لصيغة لبنانية في مصر. فهي فاشلة في لبنان رغم تجديدها فضلاً عن ان المصريين بغالبيتهم المسلمة يرفضونها وكذلك باحزابهم وعسكرهم.
هل من اسباب مباشرة لـquot;مجزرةquot; ماسبيرو في القاهرة؟