هاني الظاهري


بعد انكشاف المؤامرة الإيرانية لاغتيال سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن عادل الجبير، ضجت وسائل الإعلام بالتحليلات التي حاولت وما زالت تحاول قراءة الحدث في إطار سياسي دولي، باحثة عن الأسباب التي دفعت النظام الإيراني للتهور بهذا الشكل، وتوريط نفسه في عملية إجرامية عابرة للقارات، فيما خلُص كثير من المحللين إلى أن المخطط الغادر لاغتيال السفير جاء في سياق ما يمكن وصفه بـlaquo;الحرب الباردةraquo; بين إيران والسعودية، خصوصاً بعد فشل مخططات النظام الإيراني لإثارة القلاقل في البحرين والسعودية، وهو الأمر الذي أوصله إلى حال من التخبط والرغبة في الانتقام من السعودية، حتى وإن كان هذا الانتقام عبر استهداف سفيرها في أميركا.

يبدو الطرح السابق مقبولاً كإحدى النظريات التي لها الحق في أن تحظى بالنقاش والمداولة، لكن ذلك لا يخرجه عن إطار الأطروحات laquo;السطحيةraquo; التي تقرأ المشهد في إطار ضيق جداً يغفل تطورات الوضع الحالي للمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وحاجته الماسة إلى ما يمكن وصفه بـlaquo;الوقت المستقطعraquo; لاستعادة الأنفاس ومعالجة الجراح الغائرة التي ألمت به كنتيجة طبيعية للأحداث في سورية، فمشروع طهران في محيطها الإقليمي بات على وشك الانهيار تماماً بالنظر لوضع الحليف الدمشقي، وهذا يستلزم إدارة بوصلة الحديث إلى أساس المشروع الإقليمي الإيراني والنجاحات التي حققها خلال السنوات القليلة الماضية في ظل انشغال العالم بالحرب على الإرهاب.

يمكننا القول وبثقة بالغة أن النمو السريع للمحور الإيراني في الشرق الأوسط بدأ في الانطلاق الفعلي بشكل لم يكن متوقعاً بعد أحداث سبتمبر 2001 حينما شنّت الولايات المتحدة حربها الشرسة على الإرهاب، فمع التدخل العسكري الدولي في أفغانستان حظي نظام طهران بفرصة جيدة للتعاون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وفرصة أفضل لدفع عجلة المشروع الإيراني المعلق منذ الثمانينات في الشرق الأوسط، ثم جاءت الحرب على العراق لتفتح جميع الطرق الموصدة أمام محور طهران انطلاقاً من عاصمتها بخط غير منقطع مروراً ببغداد ودمشق وليس انتهاء بالضاحية الجنوبية في بيروت.

ولابد من الاعتراف هنا بأن الفضل في تزايد صلابة هذا المحور يعود بشكل كبير للانشغال الدولي والإقليمي بالحرب على الإرهاب laquo;القاعديraquo;، لكن أحداث 2011 في الشرق الأوسط التي اصطلح على تسميتها بـlaquo;الربيع العربيraquo; قلبت الأوضاع السياسية في المنطقة رأساً على عقب، وأسهمت بشكل كبير في إبطاء عجلة الحرب على الإرهاب، وربما توقفها تماماً في كثير من المناطق، وتحول عدو الأمس إلى حليف في دول أخرى مثل ليبيا التي باتت في قبضة الجماعات الإسلامية التي كانت مطاردة حتى وقت قريب، كما أن سياسة حكومة الديموقراطيين بقيادة أوباما التي تختلف بشكل كبير عن سياسات الجمهوريين في الاندفاع نحو الحرب على الإرهاب بجانب الانشغال بالمشاكل الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة من أهم العوامل التي أسهمت بشكل كبير في نهاية حقبة الحرب على الإرهاب، لتبدأ فصول جديدة في المنطقة عززتها الثورات المتتالية التي وصلت إلى المحور الإيراني من البوابة السورية. هنا وجد السياسي في طهران مشروعه في حال احتضار، فلا حيلة مكافحة الإرهاب باتت مجدية في قمع الثورة السورية، ولا أصابعه الضعيفة في دول الخليج قادرة على تحقيق أي تقدم يصرف الأنظار عن المشهد السوري، ولذلك كان الحل الأمثل هو بعث الانشغال العالمي بالحرب على الإرهاب من مرقده عبر عملية ثقيلة داخل الولايات المتحدة، وليس هناك هدف أفضل من استهداف السفير السعودي في واشنطن، فهي عملية لو تمت لسعى النظام الإيراني لنسبها للقاعدة بشكل يصرف الرأي العام العالمي إلى واشنطن لوقت قد تتمكن خلاله طهران من حل المسألة السورية في الظلام، وهو ما يضمن استمرار مشروع المحور الإيراني بالقوة التي يبدو أنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل يناير 2011.