مأمون فندي

في عدد فبراير (شباط) 2004 من مجلة السياسة الخارجية الأولى في الولايات المتحدة المعروفة بـlaquo;فورن أفيرزraquo;، كتب الدكتور مايكل دوران السابق في جامعة برنستون، والذي أصبح فيما بعد مسؤولا عن الشرق الأوسط في البيت الأبيض في إدارة جورج بوش الابن، كتب عما سماه بـlaquo;المعضلة السعوديةraquo; ولخصها في مقولة ساذجة لاقت رواجا في الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية وكأنها حقيقة لا تدحض.

هذه المقولة مفادها أن صراعا محتدما تحت الرماد في المملكة العربية السعودية laquo;ما بين جناح الأمير عبد الله ولي العهد (يومها) الذي يمثل الانفتاح على الغرب، وجناح الأمير نايف ومعه المؤسسة الدينية الوهابية التي تكره أميركا والغربraquo;.. وحسب ما يكل دوران، فإن laquo;صراعا شديدا موجودا بين الأمير نايف والأمير عبد الله سوف يضع المملكة في بؤرة الأزمة السياسية ويؤدي إلى تفكيك المملكةraquo;.

كتب دوران ذلك المقال في 2004 أيام ما كان يعمل أستاذا في برنستون، وكان هذا المقال جواز سفره إلى مركز متميز في البيت الأبيض. ولما كان للمقال صدى في الشرق الأوسط وفي واشنطن كان لا بد من الرد عليه، وقد كتبت مقالا أرد فيه على دوران في هذه الصحيفة في 12 يناير (كانون الثاني) 2004 بعنوان laquo;ملاحظات على مقال فورن أفيرزraquo;.

وبعد أن كتبت المقال حدثت بيني وبين دوران مشادة كلامية في واشنطن وصلت بعدها إلى حد القطيعة، ولم يكن هناك سبب لهذه القطيعة سوى أنني تجرأت وقلت: إن كلام دوران عن خلاف محتدم بين الأمير نايف والأمير عبد الله هو كلام سخيف ولا يرقى إلى مستوى النقاش الأكاديمي حول المملكة.

وها هي الأيام تثبت عكس كلام دوران تماما، فعندما أصبح الملك عبد الله ملكا وضع ثقته في الأمير نايف وعينه نائبا ثانيا له، وها هي تمر الأيام ويرشح الملك عبد الله الأمير نايف كولي عهد له، ويقبل مجلس البيعة بترشيح الملك ويؤيده، ليصبح الأمير نايف ولي عهد للمملكة العربية السعودية. فأين هذا الصراع بين الملك عبد الله والأمير نايف الذي صدعنا به جماعة واشنطن من عينة مايكل دوران منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وأين هي الأزمة التي أدت إلى تفكيك النظام، والتي كان ينتظرها صاحبنا وشلته من جماعة معهد واشنطن للسياسات التابع لإسرائيل وجماعة مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك الذين يتحدثون عن المملكة في إطار النميمة لا العلم؟

لا أدري ما هي القصص الجديدة التي سيخترعها دوران وشلته بعد أن أصبح الأمير نايف، والذي حسب رؤيتهم كان على صراع مع الملك عبد الله، ولي عهد المملكة العربية السعودية؟ ترى كيف يفسر دوران وشلته، ممن هاجموني يومها على ردي عليهم واتهامهم بالسذاجة في فهم المملكة، ذلك الكيان السياسي ذو الخصوصية العالية، كيف يفسرون خروج الملك عبد الله إلى المطار لاستقبال جثمان ولي العهد الراحل الأمير سلطان وإصراره على أن يكون بين إخوته في تلك اللحظة الصعبة رغم خروجه القريب من المستشفى بعد إجراء عملية جراحية في الظهر؟ وكيف أن الأمير نايف نفسه هو الذي حاول أن يثني الملك عبد الله عن الذهاب إلى المطار خوفا على صحته؟ كيف يفسر هؤلاء هذا الترابط الأسري الذي نراه أمام أعيننا وكيف يستقيم هذا مع نظرية الأجنحة والصراعات داخل البيت السعودي وداخل المملكة؟ هذا كلام بالطبع لا يرقى إلى مستوى العلم، ولكن للأسف يسيطر الدجالون أحيانا على الحوار في واشنطن، ويدخلون دولة كبرى بحجم أميركا في مشاكل مع العالم.

جماعة إسرائيل في واشنطن مثلا يريدون من أميركا أن تركب عربة إسرائيل في الشرق الأوسط طوال الوقت، لأن أعداء إسرائيل هم أعداء أميركا من وجهة نظرهم، ومن يقول بغير ذلك فهو شخص إما معاد لليهود وكاره لهم ويجب أن يعاقب على عدائه للسامية، أو أنه شخص اعتذاري بالنيابة عن العرب.

هذا في واشنطن، أما في بلداننا، فإن الشخص الذي يقول كلمة حق أو يحاول الاقتراب من الحقيقة في فهمه للمملكة فهو مثقف مشترى من قبل المملكة.

إذن نحن في ورطة في الشرق وفي الغرب. هذه الورطة هي أساس المأزق الحقيقي في الكتابة عن المملكة التي يفضل المستهلك لها في الغرب، وفي الأوساط الراديكالية العربية، يفضل فيها جاذبية الأوهام على قراءة الحقيقة. ليست لدي مشكلة في محاولة فهم المملكة العربية السعودية ومناطق الخلل أو التميز فيها كما ندرس المجتمعات الأخرى، أي أن نقرأ المؤشرات الاقتصادية، مضافا إليها مؤشرات الديموغرافيا والسكان، أو مدى تجديد الشرعية أو تآكلها في فترة من الفترات لأي نظام، هذا هو الطبيعي في التحليل، أما أن يدعي فرد زار المملكة لمرة أو مرتين بأنه يعرف دقائق الخصومات بين أفراد العائلة المالكة، والكبار منهم خصوصا، فهذا ادعاء يقترب من الدجل.

شعب المملكة يبايع الأمير نايف وليا لعهد المملكة العربية السعودية في الرياض وفي كل مناطق المملكة. هذه البيعة مر بها الملك عبد الله مرتين، مرة كولي عهد ومرة كملك، إذن الملك السعودي لا يبايع مرة واحدة بل مرتين، وهذا استفتاء شعبي واضح. كما أن هيئة البيعة تختار داخل الأسرة، إذن هناك إجماع من الأسرة المالكة والشعب على القيادة.

إن السذاجة الغربية فيما روج لها دوران وأمثاله في الغرب عن عداء الأمير نايف للملك عبد الله، وأوصلوها إلى البيت الأبيض، كذبتها الأيام وحقائق السياسة، فهل يتخلى الغرب عن السذاجة في محاولة فهم المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط عموما؟