سمير عطا الله
سوف تظل الهند أحجية للذين يتأملونها من الخارج ويحاولون، بلا جدوى، فك أرقامها الخيالية: 600 ألف قرية، خمسون في المائة من المليار تحت الخامسة والعشرين، وبعد عامين 550 مليون مراهق تحت العشرين. جميع الشركات الأميركية الكبرى صارت فروعها هناك، IBM ثلاثة أرباع إنتاجها في الهند، 16 لغة رسمية، و22 لغة محكية، 230 حزبا خاضت الانتخابات العامة سنة 2004، 827 مليون هندوسي موزعون على آلاف الطوائف، 150 مليون مسلم، عدد لا يحصى من الأقليات.
كيف أمكن قيام هذه الدولة في نظام ديمقراطي؟ ربما هذا هو الجواب. أي نظام غير منفتح لا يمكن أن يحتضن هذه التعددية الهائلة، والنظام معرض للخطر الآن (laquo;كوكب الهندraquo;، العبيكان) بسبب تصاعد الأصولية الهندوسية.. وهذا البلد المتسامح الذي قام على تعاليم غاندي وممارسات جواهر لال نهرو، يكشف أحيانا عن وجه بشع ومتوحش، عندما تنفلت الغرائز.
وعلى الرغم من التقدم المثير الذي حققته الهند، فإن حصتها من الإنتاج العالمي لا تتجاوز 2 في المائة، مع أنها تشكل 17 في المائة من سكان العالم. ويبلغ حجم الاقتصاد الصيني ضعف اقتصاد الهند، كما يبلغ معدل دخل الهندي 3400 دولار مقابل 6300 دولار للصيني (أرقام 2006)، يقابلهما 30700 دولار في اليابان. هناك ثمانون في المائة من الهنود يعيشون على دولارين في اليوم، ويضع دليل الأمم المتحدة حول التنمية البشرية الهند في المرتبة 127 من 177 دولة في العالم.
لماذا هذا الفارق بين الهند والصين؟ هل له علاقة بالثقافة؟ بالحضارة؟ بالأعراق؟ الثابت أن كليهما بدأ التقدم والنمو حين اعتمدا نوعا من النظام الرأسمالي: الصين أواخر السبعينات مع دنغ كسياو بنغ، والهند أوائل التسعينات مع وزير مالية لامع يدعى مانموهان سينغ.. قلص الإنفاق الحكومي وخفض قيمة الروبية وألغى القيود البيروقراطية ليفتح باب الاستثمارات.. أدى ذلك في البداية إلى صعوبات، لكن بعد 5 سنوات كانت مجلة laquo;فورين أفيرزraquo; تصف النمو في الهند بأنه laquo;نموذج النجاح الرأسمالي المدويraquo;.
نتأمل التطور والنمو والتقدم في آسيا الكبرى: الهند، الصين، إندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة، ونتساءل متى مصر والمغرب والجزائر؟ متى سوف تكون القضية في مصر معدلات النمو ومستويات الإنتاج، بدل أزمات الطحين والمطاحن؟ ومتى سيتجه قادة الرأي نحو جدل العمل والترقي، بدل هذه النقاشات اليومية حول مسائل عابرة لا معنى لها ولا علاقة لها بمستقبل المصريين وتقدم مصر.
من المؤسف أن نرى أن الدول العربية المكتظة بالسكان، لا تزال تعتمد على الهجرة الواسعة، وتعاني من البطالة المدمرة والفقر غير المعلن. لسنا في حاجة إلى النموذج الأوروبي أو الياباني.. على الأقل النموذج الهندي.
التعليقات