محمد صالح المسفر

(1) اعرف ان امتنا العربية محملة بالهموم، الناس ما برحوا منشغلين بالحال في ليبيا وزاد على ذلك تكوين التحالف الجديد بقيادة قطرية لدعم ليبيا، منشغلين بدور الجامعة العربية في الشأن السوري المستعصي، منشغلين بما يجري في اليمن من جرائم في ظل صمت عربي ودولي مخيف، وزاد انشغالهم نتائج الانتخابات الحرة النزيهة في تونس ووصول حزب النهضة الى الصدارة في تلك الانتخابات، العرب وغيرهم منشغلون بالمتغيرات في المملكة العربية السعودية بعد وفاة الامير سلطان ولي العهد وماذا يخبىء المستقبل في المنطقة.
كل هذه الهموم وغيرها اشارك غيري في حملها، وكانت موضوع حوارات ومناقشات في عمان كنت طرفا فيها. في الاسبوع الماضي ذكرت ما يباح ذكره في حديث مع الملك عبد الله الثاني واشهد باني وجدت عنده رغبة صادقة في الاصلاح، 'فالمؤمن اذا قال صدق واذا قيل له صدق' وان شاء الله اننا من المؤمنين الصادقين.
لكني اعلم ان الحمل ثقيل، فالملك عبد الله عندما تسلم مقاليد امور الدولة في بداية عهده، لم تكن امور المملكة واضحة له كما يجب، فتجربته العسكرية في تقديري اكثر من معرفته بادارة الدولة، كان والده الملك حسين رحمه الله حامل كل الاعباء والهموم صقلته الاحداث الجسام التي مرت على المملكة الهاشمية وغادر الحياة الى الدار الاخرة مرضيا عنه شعبيا، وجاء الملك عبد الله الثاني فوجد حوله 'كهول الدولة' ليسوا من جلساء الملك الشاب ولا من رفاق نشأته، بعض اولئك الكهول انشغلوا في المرحلة الانتقالية بتعظيم مغانمهم الامر الذي قاد الى تعظيم الفساد وتكاثر الفسادين والمفسدين وتجذر في المجتمع. لقد زين بعض 'الكهول' للملك الشاب كل ماهو ليس بزين، ذلك ما قال به الكثير من المحبين للملك الامر الذي يستعصي عليه اجتثاث الفساد من جذوره دون عناء. قال احد المحبين للملك: كان العرب حكماء عندما قالوا: لا تقترب من الفحام، واللحام، ونافخ الكير هندامك سيتلوث ويصعب عليك المشي بين الناس لان نظراتهم ستلاحقك، وعقب اخر على هذه الحكمة بالقول: سيدنا اعتقد انه وقع بحسن نية بين فاسد ومفسد وسمسار وعلى ذلك اخذت تلاحقه الانظار. لم يعجب البعض هذا الحديث حبا في الملك وعقب بعضهم، اللوم كله ينصب على 'بعض الكهول' الذين احاطوا بالملك في بداية عهده، معظمهم لم يكونوا اوفياء للعهد فبقوا يعظمون مصالحهم على مصالح النظام، كان الملك عبد الله معتمدا على خبراتهم وقدراتهم وقربهم من باني الدولة الحديثة الملك حسين رحمه الله ولكن مع الاسف هذا البعض جر البلاد كلها الى مأزق اقتصادي وسياسي يحتاج الى تظافر كل الجهود لاصلاح ما فسد.
يقول الملك: 'ان هدف عملية الاصلاح السياسي هو الوصول الى الحكومات النيابية، ولا حصانة لمسؤول وسنحمي قيم العدالة وتكافؤ الفرص بقوة القانون، ولن نسمح لاحد بان يتطاول على المال العام وحقوق الاخرين'.
كلام جميل ومطلوب اليوم اكثر من الماضي، ولكن يا صاحب الجلالة تحتاج هذه السياسة الاصلاحية الى رجال لا تحوم حولهم الشكوك، الاردن جلالة الملك مملوء بالرجال ذوي العقول المبدعة والامناء على المال العام وهيبة الدولة والصادقين في نصحهم لصاحب السيادة ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة. الرياح جلالة الملك عاتية والاصلاح الجوهري يقلل من قوة الرياح العاتية.

( 2 )

في حواراتي التي لم تنته في الاردن اثار احد المشاركين في تلك الجلسة ما قلته في محاضرتي في 'منتدى شومان' حول الوطن البديل، وقال بالحرف الواحد 'نحن نخاف من التوطين الفلسطيني في الاردن 'قلت' كنتم دولة واحدة بضفتين والخير بينهما مشاع' قال هم انفصلوا عنا برغبتهم، قلت، لا نريد اجترار الماضي فهو مؤلم، لكن لا يجوز تجريد الفلسطيني من جنسيته الاردنية وخاصة الذين هم مواطنون بحكم النشأة والقانون، وساهموا في بناء الدولة الهاشمية بضفتيها، الامير الحسن بن طلال يقول: 'اننا جميعا اتينا من الجزيرة العربية. انا حجازي ابي الملك طلال رحمه الله ولد في مكة المكرمة تماما كما ولد اباء مواطنين اردنيين في القدس فان كانوا هؤلاء مواطنين دخلاء.. فهل انا دخيل؟' قال محدثنا: انظر انهم لا يشاركوننا في الحراك الشعبي المطالب بالاصلاح. قلت 'انهم بين نارين ان شاركوا في الحراك قال البعض منكم انهم مخربون ويريدون العبث بامن الاردن، وان لم يشاركوا قلتم انهم منعزلون عنا، فماذا عساهم يفعلون؟ اني شخصيا مع صمتهم رغم ايماني بان الكل مستهدف من قبل اسرائيل ولا فرق بين اردني وفلسطيني عندهم.
اخر القول: اللهم احفظ اردن من كل مكروه.