شملان يوسف العيسى


التحرك العربي لحل الأزمة السورية المتواصلة منذ ثمانية أشهر، أدى إلى قبول الحكومة السورية للورقة العربية التي تضمنت خريطة طريق لحل الأزمة، تنص على وقف العنف فوراً، وسحب الآليات من المدن والبلدات، والإفراج عن المعتقلين، والسماح لوسائل الإعلام بالعمل، إضافة إلى الإعداد لحوار مع المعارضة.

لا نعرف ما إذا كان النظام السوري جاداً في تطبيق المبادرة العربية، وهل قبوله مجرد مراوغة لكسب الوقت وتفريغ المبادرة من محتواها، خاصة أنه بعد يوم واحد من موافقة السلطات السورية على الاتفاق، تم قتل 20 مدنياً في حمص!

اتفاق الجامعة لن يحل مشكلة النظام السوري ولن يغير طبيعته الخاصة، ومهما كانت المفاوضات مع المعارضة، فهنالك تساؤلات يجب طرحها الآن لمعرفة ما إذا كان الاتفاق العربي سيصمد أم لا. النظام في سوريا عمل على إضعاف مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والحركات السياسية ما عدا حزب quot;البعثquot; الحاكم. والحزب ومجلس الوزراء والسلطتان التشريعية والقضائية... كلها لا تملك أي قوة فعلية مستقلة عن رئاسة الجمهورية. أما الجيش، فلعله المؤسسة الوحيدة الباقية في سوريا، لكنه خاضع لهيمنة العلويين، هيمنة ظاهرها علمانية الحزب كضامن للتعايش السلمي بين الطوائف والقوميات المختلفة.

دعوة الجامعة العربية للحوار بين النظام والمعارضة تتطلب الكثير من التوضيح والبلورة؛ لأن الصيغة التوفيقية بين الطرفين لإنقاذ سوريا قد تلاشت الآن بعد الانشقاقات الحاصلة في الجيش، والتي أخذت طابع التمرد العام. بينما امتدت الاحتجاجات لتشمل معظم المدن السورية. ثم كيف يمكن إجراء الحوار إذا كان الآلاف من شباب وقيادات المعارضة في السجون؟

المبادرة العربية تعطي الطرفين، النظام والمعارضة، فرصة للتوصل إلى حلول سلمية إذا كانت النيات سليمة وليس هناك خداع أو لف ودوران. فالنظام أصبح لديه غطاء عربي يحميه من أي تدخلات أجنبية على غرار ما حدث في العراق وليبيا، كما تعطيه المبادرة فرصةَ إعادة النظر في مسيرته على ضوء الحصار الدولي والانشقاقات داخل الجيش الذي يعتبر ركيزة السلطة وقوتها الحقيقية ومصدر شرعيتها.

أما المعارضة فحققت إنجازاً كبيراً؛ لأن المبادرة العربية اعترفت بها ممثلاً شرعياً للثوار، كما أعطتها فرصة لتوحيد صفوفها وتعزيز مطالبها.

ويبقى السؤال: ما الأدوات أو الآليات التي تمكن الجامعة العربية من متابعة التزام الحكومة السورية، خاصة سحب الآليات العسكرية من المدن والقرى الرئيسة؟ وكيف يمكن التحقق من التزام المعارضة ببنود الاتفاق؟ وهل سيسمح النظام لوسائل الإعلام العربية والأجنبية بمتابعة انسحاب القوات الأمنية من المدن والقرى؟ وهل سيسمح للمعارضة بالتظاهر سلمياً، دون قتل أو ترويع أو ملاحقة؟

وأخيراً، نأمل أن تكون دمشق صادقة في التزامها بالمبادرة العربية، فقد نشر الكاتب شاكر النابلسي مقالاً يقول فيه: quot;العالم العربي مشغول للآن بمبادرة الجامعة العربية حول سوريا. الكلام كثير وهموم عظيمة حزينة تكتنف هذه المبادرة خاصة بعد أن قبل الأمويون الجدد (أحفاد معاوية بن أبي سفيان الداهية وعمرو بن العاص المحنك) المبادرة لكسب مزيد من الوقت ولكسر عظم المعارضة... مضى على معركة صفين ثلاثة عشر قرناً ونصف القرن، وقد تغيرت مبادئ وقيم كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، لكن ما زال الخداع قائماً ومازالت المراوغة السياسية قائمة وكذلك اللف والدورانquot;.

ما ذكره النابلسي صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن المعارضة هم أبناء وأحفاد معاوية كذلك، وهنا تكمن الإشكالية.