قاسم حسين


يحتفل المسلمون اليوم بعيد الأضحى المبارك، جعله الله لمحمدٍ (ص) ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً، ولأمته عزاً وحريةً وألفةً وسلاماً. كما يحتفل من يعنيهم شأن الأمة هذا العام بصدور وثيقة الأزهر الشريف التي تجاوبت مع تطلعات الشعوب في الربيع العربي.

الوثيقة تنظـِّر لفترةٍ تاريخيةٍ جديدة، وتلتقي في خطوطها العامة مع الأفق الإنساني الذي بلغته شعوب الأرض الأخرى. فهي تعتبر المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي، حقاً أصيلاً للشعوب، وتستنكر الإمعان في تجاهل المطالب المشروعة بالحرية والعدالة والإنصاف، وتنفي عن المعارضين الوطنيين صفة laquo;البُغاةraquo; التي كانت تلصق بكل من يرفع صوته بالاحتجاج على الظلم في العصور الغابرة. وتذهب إلى أكثر من ذلك، بأن المعارضة واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم، وواجبٌ على الحكّام الاستجابة لهم، من دون مراوغةٍ أو عناد.

الوثيقة اعتبرت انتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان، وطالبت laquo;الجيوش المنظّمة في أوطاننا كلِّهاraquo;، أن تلتزم بواجباتها الدستورية في حماية الأوطان من الخارج، ولا تتحوّل إلى أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك الدماء، مستندةً في ذلك إلى الآية الكريمة:raquo;من قتلَ نفسًا بغيرِ نفسٍ أَو فسادٍ في الأَرضِ فكأنَّما قتل الناسَ جميعاً ومن أحياها فكأنَّما أَحيا الناسَ جميعاًraquo;. (المائدة: 32).

وثيقة الأزهر الشريف دعت أيضاً من أسمتهم laquo;قوى الثورة والتجديد والإصلاحraquo; إلى الابتعاد كلياً عن كل ما يؤدي إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أياً كان مصدرها، لئلا يتدخل الأجنبي في شئون دولهم وأوطانهم. وعليها الاتحاد في سبيل تحقيق حلمها في العدل والحرية، وأن تتفادى النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية، حفاظاً على النسيج الوطني، ولبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل.

الموقعون على الوثيقة، (علماء أزهريون وقادة فكر وثقافة)، أعلنوا مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية في الإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة التي انتصرت في دول (تونس ومصر وليبيا)، ولاتزال محتدمة في دول أخرى. وناشدوا الأنظمة للمبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طوعاً، والبدء في خطوات التحول الديمقراطي، laquo;فصحوة الشعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآن أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّةraquo;، كما تقول الوثيقة.

لغة لم نعهدها من الأزهر منذ ستين عاماً، فبعد أن رفع الغطاء، عادت إلى قاموسه كلمات الثورة والنضال وراية الحرية والشّعوب المقهورة، تقابلها كلمات الظلم وlaquo;رعاة الاستبداد والطغيانraquo; وlaquo;مصير الظالمينraquo;. تتحدث عن فشل تضليل الشعوب في عصر الاتصالات المفتوحة والانفجار المعرفي، وسيادةِ المبادئ الدينية والحضارية النيِّرة، داعياً المشوّهين للدِّين، المؤيدين للظلم، إلى الكف عن هذا العبث.

laquo;وثيقة الربيع العربيraquo; هذه، ستكون حجّةً على كثيرٍ من رجال الدين الذين يواجهون طرحاً جديداً ينسف كل ما قامت عليه حياتهم ودرّت معايشهم، وبعضهم ملك الدور والقصور...وطلّق حياة الزهد التي تميّز حياة العلماء النبلاء منذ عقود.

هذه الوثيقة التاريخية ستكون ورطةً لكثيرٍ من الكتاب والفنانين والشعراء والصحافيين والمثقفين الذين انحازوا إلى الأنظمة ضد الشعوب، وربما تسبّب لبعضهم عقدة نفسية أو أزمة ضمير