محمد صلاح


كان السؤال الأكثر تداولاً بين الناس في مصر حتى وقت قريب: هل ستجرى الانتخابات البرلمانية فعلاً، أم إن في الأمر خدعة، والعسكر يستنفدون الوقت، ويمتصون الغضب، ويتحينون الفرصة للانقضاض على السلطة، وسيجدون مبرراً لإلغاء الانتخابات، والبقاء على مقاعد الحكم؟ لكن خريطة الطريق التي وضعها المجلس العسكري جرى السير فيها، وأصبح المصريون على مشارف الانتخابات فعلاً (مع الإقرار ببطء الإجراءات وطول الفترة الانتقالية) فتحول السؤال إلى: هل ستمر الانتخابات من دون مجازر ودماء، وتُكمل مراحلها الثلاثة أم إن العنف سيسود وسيجعلها لا تكتمل؟ مبررات السؤال معروفة: عنف مجتمعي تفجر في أنحاء مصر منذ وقوع الثورة لأسباب مختلفة، يتحمل غالبيتها النظام السابق الذي استخدم البلطجة في السياسة، وزرع البلطجية في كل مكان، ونشر الفقر والجهل في ربوع البلاد، وأخرى لها علاقة بالانفلات الأمني، وضعف الشرطة أو تقاعسها، وبطء العسكر أو خشيتهم من الصدام مع الجموع، وكذلك الشعور الذي ساد، بأن في الفترة الانتقالية مجالاً لنيل الحقوق بالقوة وبسرعة، وقبل أن تهدأ الأمور، وتستعيد مؤسسات الدولة رسوخها، ويعود الروتين ليعطل أصحاب الحقوق عن نيل حقوقهم. أما السبب الأبرز فهو شعور الناس بأن الذين نالوا حظوظهم من الثورة هم أهل النخبة الإعلامية والسياسية أصحاب الياقات البيضاء والوجوه المطلة دائماً على الفضائيات ممن يطلقون العبارات الحادة في الميادين، ويطالبون بحقوق الشهداء، ويهاجمون حكومة شرف والمجلس العسكري، ويبكون عدم تحقيق الثورة أهدافها نهاراً، ثم في المساء يحجزون أماكنهم لدى رجال أعمال من فلول الحزب الوطني يملكون قنوات ليظهروا في برامج مدفوعة الأجر! ومعهم رموز الأحزاب والحركات السياسية الذين ركبوا الثورة منذ بدايتها، وأظهروا مقداراً من الاتفاق على ضرورة إسقاط النظام، ثم تصارعوا بعد تنحي مبارك وتسابقوا ليحلوا محله. ولا يخفي المواطن المصري البسيط غضبه من أن عناصر النخبة الإعلامية والسياسية لم يبذلوا أي جهد لوأد فتنة أو تخفيف احتقان أو منع صدام أو تهدئة عنف بل دائماً كانوا إما من المحفِّزين على ذلك أو الداعمين له لتحقيق مزيد من البقاء في التلفزيون أو نيل المكاسب السياسية.

خلال الأسبوع المنصرم تفجر العنف المجتمعي في محافظات عدة، وبدا القتل أسهل من السبِّ والقدح، ووجد الأمن نفسه عاجزاً عن ردع المخالفين للقانون، فانحنى لتمر عواصف العنف بين العائلات في الصعيد أو الوجه البحري. وساهمت الأحداث في إعادة صوغ السؤال عن الانتخابات: بعد كل الذي جرى هل ما زالت هناك ثقة بأن الانتخابات ستمر على خير؟

شخصياً اطلعت على نظام الاقتراع، والحق أنه يكفل انسياب حركة المواطنين أمام وداخل لجان الاقتراع وتفادي الازدحام أو الاحتكاكات، وسيعلم كل ناخب قبل أسبوع من يوم الاقتراع المكان الذي يتعين عليه التوجه إليه، لكن بعض أسباب العنف الأخرى ما زالت قائمة حتى لو كانت الإجراءات سلسة وعملية الاقتراع ميسرة، علماً أن العنف في كل انتخابات أجريت في عصر مبارك كان منهجياً، وما أثار السخرية دائماً تلك الإعلانات في التلفزيون الرسمي التي كانت تحضّ المصريين على ممارسة حقهم في الانتخاب وحين يصدقون ويتوجهون إلى أماكن الاقتراع يُمنعون أو يُضربون طالما أنهم ليسوا من ناخبي مرشحي الحزب الوطني الذي كان حاكماً، فكل أجهزة الدولة كانت تُحشد لدعم مرشحي laquo;الوطنيraquo; والتحايل على إرادة الناخب وممارسة كل ألوان التزوير، فكان العنف يحدث نتيجة حالة غضب تتملك منافسي مرشحي الحزب الحاكم، أو من جانب بلطجية الحزب نفسه لردع المنافسين. ويسود شعور الآن بأن كل أجهزة الدولة لا تنوي ولا تستطيع تزوير الانتخابات (حتى لو كان هناك ملاحظات على أداء لجنة الانتخابات) فهل اختفت أسباب العنف؟ بالطبع لا، لكنه لن يكون ممنهجاً أو تحت إدارة مباشرة من أجهزة الدولة، وإنما بدوافع من المتنافسين أنفسهم في ظل شعور عام بأن القوي يستطيع أن يفرض إرادته حتى لو كانت لا تتفق مع القانون، إضافة إلى انتهازية سياسية تمارس منذ تفجر الثورة لاقتناص الفرص وتصيد الأخطاء أو ادعاء الأكاذيب للتأثير في الناس أو نيل التعاطف والتأييد. نعم، سيقع عنف لا يمكن وقفه إلا إذا اتحدت إرادة كل أطراف اللعبة السياسية على ضرورة أن تعبر البلاد مرحلة الانتخابات إلى آفاق واسعة من التنمية لمصلحة مصر وكل المصريين... وليس لتحقيق مصالح أصحاب الياقات البيضاء.