علي إبراهيم


معظم القوى السياسية المصرية التقليدية خسرت في المعركة التي أخذت طابعا دمويا لاستعادة ميدان التحرير، الذي أصبح مصدرا للشرعية في مصر بعد 25 يناير (كانون الثاني)، لكن قد يكون الإخوان والسلفيون أكثر القوى الخاسرة بعد مليونيتهم التي دعوا إليها يوم الجمعة الماضي في استعراض غشيم للقوة يبدو أنه استفز القوى التي كانت الشعلة الحية لثورة 25 يناير.

الغشم السياسي في المرحلة الانتقالية المتعثرة التي تشهدها مصر يشمل القوى السياسية التقليدية، بما في ذلك الإخوان والسلفيون الذين يبدو أنهم يراهنون على الاستفادة من التآكل في الثقة بين الشارع والمجلس العسكري الذي يتولى الحكم الانتقالي حاليا، ويشمل كذلك السلطة الحاكمة التي تعاملت بغشم شديد حينما لجأت للقوة لفض اعتصام لبضع مئات بعد انتهاء مليونية أو نصف مليونية الإخوان والسلفيين يوم الجمعة الماضي، لنصل إلى وضع مأساوي فيه عشرات القتلى وكر وفر في ميدان التحرير وما حوله من شوارع، ومطالب رفعت السقف عاليا فيما يتعلق بانتقال السلطة.

وسط المشهد الحالي المليء بالضبابية، يبدو من بعيد ميدان التحرير والاحتجاجات في بقية المحافظات المصرية أشبه بقوى عفوية غير منظمة في غالبيتها شبابية من الذين أشعلوا ثورة 25 يناير ويشعرون بالإحباط من القوى السياسية والأحزاب والطامحين إلى الرئاسة، ومن أداء الحكومة والمجلس العسكري وحالة الضبابية التي تحيط بمسار تسليم السلطة وموعده الزمني، وكذلك من الاختطاف الذي يجري للثورة من قوى متنافسة على السلطة تشعر أن هذه هي لحظتها وعلى رأسها الإخوان.

وسط المشهد الدامي نتوقف أمام شريط فيديو على laquo;يوتيوبraquo; لما وصف بزفة طرد الإخوان والسلفيين من ميدان التحرير فيما يعكس مللا وإحباطا من شعاراتهم ومناوراتهم حول شكل النظام الجديد ومدنية الدولة التي يريدون استبدالها حاليا، حسب تقارير الصحف المصرية. وسط المشهد أيضا نلاحظ تقارير الصحافة الأجنبية، خاصة حول عودة الروح الأصلية لميدان التحرير؛ حيث يقف المسيحيون ليحموا المسلمين وهم يؤدون الصلاة، وذلك بعد شهور من العنف الطائفي غير المبرر الذي اندلع لأسباب لا يعرفها أحد وتعددت رواياتها، وليس بينها واحدة مقنعة.

ما الذي فجر المشهد بهذا الشكل الدموي الذي ينبئ بعواقب شديدة الخطورة ما لم تسُد الحكمة السياسية وتظهر قيادات لها بصيرة سياسية استراتيجية وشجاعة في الإمساك بالدفة والعبور بالبلاد نحو وفاق وطني بدلا من حالة التخندق السياسي الحالية؟

من الذي فجر الأزمة الحالية؟ هل ما يسمى وثيقة السلمي، التي دارت حولها مناورات كثيرة في الأسابيع الماضية وكانت سببا في مليونية الإخوان والسلفيين الذين كانوا موافقين عليها سابقا، أم أنها حالة الإحباط من الارتباك السائد على الساحة السياسية؟

الأرجح أنها حالة الإحباط، والتخندق السياسي الشديد لمختلف القوى من دون القدرة على الوصول إلى اتفاق على مبادئ عامة هو السبب؛ فوثيقة السلمي، أو المبادئ الحاكمة للدستور، كانت مطلبا لقوى الثورة منذ البداية، عندما كان الجميع في حالة ضعف وعدم يقين، لكن مع شعور بعض القوى بالاستقواء، مثل الإخوان، الذين تحالفوا مؤقتا مع السلفيين، رأوا أن ذلك لن يكون في مصلحتهم إذا فازوا بأغلبية في البرلمان المقبل، والقوى الليبرالية، التي كانت أول من نادى بهذه الوثيقة، اعترضت على المواد التي طلبتها المؤسسة العسكرية لضمان وضعها في الدولة الجديدة، وكان يمكن الوصول إلى صيغة توافقية حولها لو كان قد جرى التفاهم بشأنها ولم تكن هناك أزمة الثقة الحالية.

المشهد الذي نراه حاليا يعكس أن أحدا لم يفهم حقيقة ما يريده الشارع المصري المأزوم هو أيضا؛ لأن قوى الثورة الحقيقية فيه لم تستطع أن تبلور نفسها في كيان سياسي له ممثلوه وصوته؛ فالإخوان ليسوا مقنعين له بشعاراتهم، والأساليب القديمة في إدارة الدولة لم تعد تجدي، بعبارة أخرى هناك حاجة إلى صفحة جديدة بأساليب جديدة، فحتى نتيجة الانتخابات قد لا تعكس ما يريده حقيقةً الشارع، وبالتالي قد تستمر الصدامات بعدها.

والحل؟ قد تكون فكرة حكومة إنقاذ وطني لإدارة المرحلة الانتقالية التي طرحتها قوى سياسية هي الحل للخروج من المأزق الحالي، وهي تحتاج إلى شخصية قوية لديها صلاحيات تستطيع الوصول إلى برنامج زمني لتسليم السلطة، وقد تكون شخصية مثل محمد البرادعي - إذا حصل توافق وطني عليه - مناسبة لهذا الدور، أو شخصية أخرى قوية لديها شجاعة اتخاذ القرار، شرط ألا تكون تابعة للإخوان.