محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

تعني (الخصخصة) كمصطلح أن تتاح الفرصة للقطاع الخاص، أو رأس المال الخاص، بأن يشارك (مستثمرا) في المجالات التنموية. هذا المصطلح ظهر بقوة في العشرين سنة الأخيرة، وبالذات عندما تسيّد اقتصاد السوق، وأصبح رأس المال، وحافز الربح، محركاً رئيساً في دفع الدول نحو تحقيق معدلات تنموية عالية.

التعليم كان من بين القطاعات التي شملتها الخصخصة، رغم الأصوات المعارضة، أو المتحفظة، التي ما زالت تصر على أن خصخصة التعليم وكذلك الخدمات الصحية، قد يكون لها من السلبيات ما يجعل من التفريط إيكال مهامها إلى القطاع الخاص، وإدخالها إلى معايير (الربح والخسارة)، نظراً لطبيعتها، وحساسيتها، التي يجب أن تنأى بها عن معايير الربحية إلى معايير أسمى.

إلا أن منطق اقتصاد السوق، وآليته (الخصخصة) فرضت نفسها في النهاية، رغم أنف المعارضين.

وأنا لست ضد خصخصة التعليم، شريطة أن تكون -أولاً - خصخصة (جزئية)، أي أن الذي لا يستطيع أن يدفع يجب أن يحصل على التعليم مجاناً؛ فحق الإنسان في التعليم حق أصيل لا يمكن التنازل عنه مهما كانت المبررات.. أما ثانياً -وهنا بيت القصيد- فيجب أن يكون هناك أنظمة وقوانين محكمة، وصارمة، تضمن بأن تكون المؤسسة التعليمية الخاصة ليس هدفها تحقيق الربح بغض النظر عن الهدف الأسمى التربية التعليم، وأن تكون البيئة التعليمية صالحة ومهيأة وآمنة.

حريق مدرسة جدة يشير إلى أن خصخصة التعليم، واندفاعنا فيها، جعلنا نتساهل كثيراً في الأنظمة والقوانين المتعلقة بصلاحية البيئة التعليمية، وتحديداً أنظمة الأمن والسلامة فيها، طلباً لتحقيق الربح؛ بحيث أدى هذا التساهل إلى هذه الكارثة المأساوية.

وأنا هنا لا أحمل جهة بعينها مسؤولية ما حدث، ولكنها في تقديري مسؤولية مشتركة، تتمحور حول غياب اشتراطات السلامة عن مثل هذه المباني، رغم أن احتمالية (الحريق) -مثلاً- احتمال وارد، يجب منذ البداية أن تكون هناك من الوسائل والتدابير والاحتياطات ما يجعل السيطرة عليه، وإنقاذ الطلاب أو الطالبات والمدرسين أو المدرسات في حال حدوثه ممكناً، غير أن ما نتج عن هذه الكارثة يشير وبقوة إلى أن هناك تقصيراً بنيوياً في احتياطات السلامة وإلا لما كانت هذه النتائج الكارثية.

وبودي لو أن المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، وكذلك الدفاع المدني، أجروا مسحاً ولو سريعاً للمدارس الخاصة، وكذلك الحكومية المستأجرة أيضاً، فسوف يكتشفون قطعاً أن أغلب هذه الكتل الخرسانية، صممت ولم يدر في ذهن مصممها أنها ستكون مدرسة يوماً ما، ثم تحولت بقدرة قادر إلى مدارس ليس فيها من وسائل السلامة ولو الحد الأدنى؛ ناهيك عن أن أغلبها قام ملاكها بحماية نوافذها العلوية والأرضية بقضبان حديدية تجعل الفرار من الحريق في حال حدوثه ضربا من ضروب المستحيل.

وكان من المفروض (قانوناً) ألا يسمح للمستثمر أن يدخل في مجال الاستثمار في التعليم إلا أن يكون قادراً على توفير مدارس مصممة ومبنية أساساً لتكون مدارس، فيها كل ما تحتاجه المدرسة من أفنية للتعليم الصفي، والنشاطات غير الصفية؛ ناهيك عن توفر شروط السلامة وإمكانية الإخلاء، في حالة حدوث حوادث فيها من البداية؛ إلا أن هذا الشرط، ربما لضغوطات القطاع الخاص، جرى غض النظر عنه.

والآن لا مناص أن نعيد النظر في أنظمة السماح للمباني بأن تكون مدارس، آخذين بعين الاعتبار مدى توفر شروط السلامة فيها، وأن يُفرض على أصحابها (بحزم) توفير قدر كافٍ من وسائل السلامة خاصة (السلالم الحديدية من الخارج) وطفايات الحريق، وغيرها من وسائل السلامة؛ وأن يقوم الدفاع المدني بحملات تفتيشية على هذه المدارس بين الحين والآخر، ومن لم يلتزم بهذه الشروط يتم حرمانه من الترخيص فوراً.

هذا أقل ما يمكن عمله، لكي لا يسبق السيف العذل مرة أخرى.

إلى اللقاء.