وليد أبي مرشد

إذا كان اللبنانيون عاجزين عن إلغاء الفتن من ساحتهم السياسية، فأضعف الإيمان إلغاء ذكرها من نشيدهم الوطني.

نعود إلى هذه الملاحظة بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لاستقلال لبنان، ذلك الاستقلال الذي كرمه الشاعر رشيد نخلة بنشيد وطني وصفنا فيه، نحن اللبنانيين، بأننا laquo;أسد غاب متى.. ساورتنا الفتنraquo;.

قصيدة رشيد نخلة تثير تساؤلا بديهيا: لماذا يستأسد اللبنانيون في مواجهة laquo;الفتنraquo; ndash; والفتن بالذات دون غيرها من أشكال النزاعات والحروب ونوائب الدهر؟

هل يمكن لشاعر ملهم ومتمكن من لغته العربية، مثل رشيد نخلة، أن يختار هذا التعبير دون إدراك واقعي لكل معانيه، وتحديدا لمغزاه السياسي في وطن فرض عليه موقعه الجغرافي وواقعه الديمغرافي أن يكون خط تماس جاهزا لنزاعات المنطقة، كبيرها وصغيرها؟

وعليه، هل كان يعجز رشيد نخلة عن استعمال تعبير آخر غير laquo;الفتنraquo; لو قصد تجاهل هذه الظاهرة اللافتة في تاريخ لبنان، أم أن الأمانة التاريخية غلبت النفحة الشاعرية فجاء مقطع قصيدته شهادة للتاريخ أولا؟

على سبيل المثال لا الحصر كان باستطاعة رشيد نخلة، لو أراد، أن يتبع صدر بيته القائل laquo;أسد غاب متى...raquo; بعجز يقول laquo;داهمتنا المحنraquo; ndash; عوض الفتن - فلا يكسر الوزن ولا يحطم القافية ولا يثير في نفوس اللبنانيين هواجس laquo;الفتنraquo; ماضيها وحاضرها.

ولكن، هل يلام رشيد نخلة على تعبيره وتاريخ لبنان مسلسل laquo;فتنraquo; شبه متواصل؟

عام 1825 فتنة طائفية أولية (خلاف البشيرين الشهابي والجنبلاطي)

عام 1845.. فتنة طائفية مؤجلة

عام 1860.. فتنة طائفية منفذة

عام 1958.. فتنة سيست بضغوط موازين القوى الإقليمية

عام 1975.. فتنة مستوفية لكل شروط الفتن (ما عرف بالحرب الأهلية)

عام 1977.. مشروع فتنة ما زالت تنتظر استحقاق موسمها.

صحيح أن تاريخ لبنان الوجيز ككيان سياسي لم يتح له خوض حروب قومية ولكن ذلك لا يبرر تحويل نزاعاته الداخلية إلى بديل للحروب الخارجية ولا يفسر انشغال أبنائه، على مدى القرنين الماضيين، بالفتن ومواجهة الفتن.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في ذكرى الاستقلال، وفي كل مناسبة يعزف فيها النشيد الوطني، هو: هل أصبح تذكير اللبنانيين بسجل الآباء والأجداد الحافل بالفتن واجبا وطنيا ليكرس في نشيدهم الوطني؟

ماذا يضير اللبنانيين إن هم استبدلوا كلمة واحدة في نشيدهم الوطني بأخرى أقل إثارة لهواجسهم وأكثر مراعاة لوحدتهم.. ومستقبلها؟

تغيير الأناشيد الوطنية، بأكملها، ليس بدعة في عالم اليوم، ومصر، على سبيل المثال، أعادت كتابة نشيدها الوطني أكثر من مرة واحدة، فكم بالحري تغيير تعبير واحد؟

اقتراح نرفعه، بتواضع، إلى وزير التربية اللبناني عله يشكل لجنة رسمية تكلف بإعادة كتابة عجز واحد من صدر بيت واحد فقط من نشيد لبنان الرسمي فتزيل ذكرى الفتن من النصوص.. على أمل إزالتها لاحقا من النفوس، خصوصا أن

سؤال لبنانيي الاغتراب في الذكرى الثامنة والستين لاستقلال لبنان، لم يعد laquo;متى نرجع إلى الوطنraquo; بل laquo;متى يرجع الوطن إليناraquo;.